نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 160
فيكون ذلك سببا لهلاكه ؛ بل ربما وقع في العقوبة وسئل عن حال ملكه فدلّ عليه وكان عينا عليه لا له . ومنها أن يكون عارفا بلسان أهل البلاد التي يتوجه إليها ليلتقط ما يقع من الكلام فيما ذهب بسببه ممّن يخالطه من أهل تلك المملكة وسكَّان البلاد العالمين بأخبارها ، ولا يكون مع ذلك ممن يتّهم بممالأة أهل ذلك اللسان ، من حيث إن الغالب على أهل كل لسان اتحاد الجنس ، والجنسيّة علة الضم . ومنها أن يكون صبورا على ما لعله يصير إليه من عقوبة إن ظفر به العدوّ بحيث لا يخبر بأحوال ملكه ولا يطلع على وهن في مملكته ؛ فإن ذلك لا يخلَّصه من يد عدوّه ، ولا يدفع سطوته عنه . بل ولا يعرف أنه جاسوس أصلا ؛ فإن ذلك مما يحتّم هلاكه ويفضي إلى حتفه : إلى غير ذلك من الأمور التي لا يسع استيعابها . فإذا وجد من العيون والجواسيس من هو مستكمل لهذه الشرائط وما في معناها ، فعليه أن يظهر لهم الودّ والمصافاة ولا يطلع أحدا منهم في زمن تصرّفه له أنه يتّهمه ولا أنه غير مأمون لديه ؛ فربما أدّاه ذلك في أضيق الأوقات أن يكون عينا عليه ؛ فإن الضرورة قد تلجئه لمثل ذلك ، خصوصا إن جذبه إلى ذلك جاذب يستميله عنه مع ما هو عليه من الضرورة ، والضرورة قد تحمل الإنسان على مفاسد الأمور ، ويجزل لهم الإحسان والبرّ ، ولا يغفل تعاهدهم بالصّلات قبل احتياجه إليهم . ويزيد في ذلك عند توجههم إلى المهمات ، ويتعهد أهليهم في حضورهم وغيبتهم ليملك بذلك قلوبهم ويستصفي به خواطرهم . وإن قضي على من بعثه منهم بقضاء ، أحسن إلى من خلَّفه من أهله ، وجعل لهم من بعده من الإحسان ، ما كان يجعله له إذا ورد بنفسه عليه ليكون ذلك داعيا لغيره على النصيحة . وإن قدرّ أن عاد منهم أحد غير ظافر بقصد أو حاصل على طلبة وهو ثقة ، فلا يستوحش منه بل يوليه الجميل ، ويعامله بالإحسان ؛ فإنه إن لم ينجع المّرة نجع الأخرى . وعليه أن يحترز عن أن تعرف جواسيسه بعضهم بعضا لا سيما عند التوجه للمهمّات . وإن استطاع أن لا يجعل بينه وبينهم واسطة فعل ، وإن لم يمكنه ذلك جعل
160
نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 160