وعرضها على ترتيب تاريخىّ لائق ، عزم على أن يصنّف تاريخه كبناء عضوي يكون الفكر الأساسي المحدّد عنصرا بنّاء في الكتاب بأسره ، رابطا كلّ أجزاء التصنيف بعضها ببعض . يرى القارئ على صفحات هذا الكتاب عنصرا شخصيا لا يجده في المصنّفات التاريخيّة الأخرى المؤلَّفة في تلك الحقبة . إنّ تجارب الأمم - وبصورة جلَّية - عمل فكرى نتج عن ذهن استدلالي بنّاء ، يسوده انطباع سام من غرض المؤرّخ وواجبه ، وبهذا ، يبدي مسكويه فضلا كبيرا على من سبقه أو عاصره من المؤرّخين الذين كتبوا آثارهم باللغة العربية . إنّه لا يرضيه مجرّد جمع المادة التاريخيّة وعرضها في ترتيب تاريخىّ ، لأنّه يعتقد أنّ أحداث الماضي تترابط في ما بينها بشبكة من المصالح الإنسيّة . وفي الحقيقة ، فإنّ التاريخ - كما يراه مسكويه - ليس غير هذا ، كما يرى العاقل في رواية التاريخ الحقّة ينبوعا من العلم الثمين ( كيتانى ، المقدمة : XI - XII ) . إنّ مسكويه لا يميل إلى أحد في كتابة التاريخ ، ولا يحيد به عن المنهج القويم أىّ انتماء . « لقد كتب تاريخه - كما نبّه عليه مرجوليوث أيضا - في حياد تامّ ، مع أنّه عاش في خدمة الأمراء والوزراء البويهيّين ، وكان من المتوقع أن يشيد بهم ويمدحهم ، ولا يتعرّض لنقدهم أبدا ، في حين نراه لم يمل إليهم في كتابة التاريخ ، » ولم يراع جانبهم في ما كتبه عنهم ، بل نراه يؤاخذهم على أشياء في سلوكهم وتدابيرهم . مصادر مسكويه في كتابة التاريخ صرّح مسكويه بأنّه لمّا قرأ أخبار الأمم ، وسير الملوك ، وأخبار البلدان ، وكتب التواريخ ( أنظر مقدّمة المصنّف ) وجد فيها ما تستفاد منه تجربة ، وهذا دليل واضح على تعدّد مصادره ، في كتابة التاريخ . بيد أنّه اعتمد اعتمادا كلَّيا على الطبري ( 224 - 310 ه . ) ، كما اعتمد على المصادر الأخرى التي تتنوّع وتختلف ، حسب الفترات التاريخيّة التي أرّخها في تصنيفه ، وحسب مصادر كانت في متناولة ، بحيث لا يمكن عدّها وحصرها إلَّا بعدّ المصرّح منها في الكتاب ، وحصر غير المصرّح منها بإرجاع نقول مسكويه المختلفة إلى أصولها وأصحابها ، وهذا يتطلَّب دراسة مستقلة قد تأخذ وقتا طويلا . فمصادر مسكويه حسب هذه العجالة هي :