نام کتاب : تاريخ اليعقوبي نویسنده : اليعقوبي جلد : 1 صفحه : 165
الروم ، فقتل وسبى ، وغلب على مدن كثيرة من الجزيرة والشأم منها : الرها ، ومنبج ، وقنسرين ، والعواصم ، وحلب ، وأنطاكية ، وافامية ، وحمص وغيرها ، وأعجبته أنطاكية ، فبنى مدينة مثلها لم يخرم منها شيئا ، ثم جاء بسبي أنطاكية ، فأرسلهم فيها ، فلم ينكروا شيئا . ومسح أنوشروان البلاد ، ووضع عليها الخراج ، والزم كل جريب من الغلات بقدر احتماله ، فلم تزل السنة جارية على ذلك ، والبلاد عامرة . ورتب لديوان المقاتلة رجلا رضي حزمه وعزمه ، وأخذ مقاتلته مما يحتاج إليه من السلاح ، وجعل ديوان العطاء ، ودفاتر الأسماء والحلى ، وسمات الدواب ، وديوان العرض على مثل ذلك . وكان أنوشروان نبيلا ، كريما ، ظاهر العدل ، لا يسأله إنسان شيئا إلا أجابه ، فسار إليه سيف بن ذي يزن ، فأعلمه أن الحبشة قدمت بلاد اليمن ، وغلبت عليها ، وانه صار إلى هرقل ملك الروم ، فلم يجد عنده ما يحب ، فبعث معه بأهل السجون في البحر ، وقود عليهم رجلا من مشيخة قواده شجاعا مجربا يقال له وهرز ، فصار إلى بلاد اليمن ، حتى قتل الحبشة ، وأفناهم ، ورمى ملكهم أبرهة فقتله ، وأقام في البلد وملك سيف بن ذي يزن . وعقد أنوشروان لابنه هرمز الملك من بعده ، وكانت أم هرمز بنت خاقان ملك الترك ، وكتب له في ذلك كتابا بالعهد ، وأمره فيه بما يأمر به مثله ، وأوصاه أحسن الوصايا ، وامتحنه ، فوجده بحيث يحب ، وأجابه على كل ما قال له بجواب سديد ، وتنكر [1] ، ولا يأتيه إلا بقول حسن لطيف ، وهلك أنوشروان ، وكان ملكه ثمانيا وأربعين سنة . ثم ملك هرمز بن أنوشروان ، فقرأ على الناس كتابا عاما يعد فيه بالعدل والانصاف ، والعفو والاحسان ، ويأمرهم بما فيه الصالح ، ونال ظفرا وعزا ، ففتح عدة مدائن ، ثم اجترأ أعاديه عليه ، وغزوا بلاده ، وكان أغلظ الأعداء .