نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 328
فهنا هاني مسلماً بالرحب والسعة والحفاظ حتى يفرج الله عنه ، والتزم هاني بالتمارض مجاملة مع ابن زياد في عدم إجابته لدعوته ، لكن ابن زياد يطمع في هاني وسابقته معه ، ويرى في جذب أمثاله من المتنفذين الحقيقيين معونة كبرى لانفاذ مقاصده . ويروى : أن هانياً أو شريكاً اقترح على عميد آل عقيل ومندوب الحسين مسلم ، الفتك بابن زياد غيلة وغفلة ، لكن مسلماً لم يجب بسوى كلمة : إنّا أهل بيت نكره الغدر . كلمة كبيرة المغزى ، بعيدة المرمى ، فإن آل علي ( عليه السلام ) من قوة تمسكهم بالحق والصدق ، نبذوا الغدر والمكر حتى لدى الضرورة ، واختاروا النصر الآجل بقوة الحق على النصر العاجل بالخديعة ، شنشنة فيهم معروفة عن أسلافهم وموروثة في أخلافهم ، كأنهم مخلوقون لإقامة حكومة الحق والفضيلة في قلوب العرفاء الأصفياء ، وقد حفظ التاريخ لهم الكراسي في القلوب . وبالجملة فقد دبّر ابن مرجانة حيلة الفتك بهاني ، فأحضره لديه بحجة مداولة الرأي معه في الشؤون الداخلية ، غير أن هانياً بعدما حضر لديه غدر به ابن زياد وشتم عرضه وهشّم أنفه وقطع رأسه . وكان لهذه الحادثة دوي في الرؤوس وفي النفوس ، واستولت بذلك دهشة على الجمهور ، أدت إلى تفرق الناس من حول مسلم ( رضي الله عنه ) ، فأمسى وحيداً حائراً بنفسه ومبيته ، وأشرف في طريقه على امرأة صالحة في كندة تسمى : طوعة - وهي أم ولد حازت شرف التاريخ ، إذ عرفت قيمة الفضيلة ، بينما قومها ضيّعوا هذا الشرف الخالد وغرتهم المطامع - جالسة على باب دارها ، فاستسقاها مسلم ماء ، فجاءته به وشرب ، ثم وقف يطيل النظر إلى مبدأ الشارع تارة وإلى منفذه أخرى ، كأنه يتوقع مَن يتطلبه ، فتوسمت المرأة فيه غربته وسألته . فقال : نعم أنا مسلم بن عقيل ، خذلني هؤلاء . فاستعظمت طوعة ذلك ودعته إلى بيتها لتخفيه حتى الصباح ، وفرشت له في بيت وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها ( 1 ) وقد كان
1 - وهو بلال بن أُسيد .
328
نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 328