نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 256
بالاصطناع ، ممّن يوثق بكفائته أو غنائه فيما يدفع إليه ، فلمّا تحولت الخلافة الإسلامية من الغرض الديني إلى الغرض السياسي وصار الأمر كله ملكاً أو سلطاناً ( 1 ) ، ضعف هذا الشرط ثم تحولت أزمّة الأحكام إلى الأعاجم ، فتقاصرت واجبات القاضي بالتدريج إلى الفصل بين الخصوم والحكم في الأحوال الشخصية ، ثم انحصرت في الأحوال الشخصية بالمحاكم الشرعية كما هو اليوم . وكان القضاة يجلسون في المساجد للحكم بين الناس ، فإذا جاءهم الخصوم حكموا بينهم هناك ، هذا الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان له في جامع الكوفة أيام خلافته موضع يعرف حتى الآن بدكة القضاء ( 2 ) ، وهو إلى جانب الموضع المعروف ببيت الطشت ، كان يجلس فيه لفصل الحكومة بين الخصمين ، وكانت هناك أسطوانة قصيرة مكتوب عليها : إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، ولكن محتها يد الجور والعدوان ، كما محت غيرها من الآثار ، فلم يكن لها اليوم عين ولا أثر . وكانوا يعدّون القضاء من الأعمال الشاقة الخطرة بالنظر إلى الدين ، لما فيه من تحمّله التبعة فيما قد يخطئ به القاضي فيحكم على صاحب الحق فيظلمه وهو مسؤول عنه ، فكثيراً ما كان العلماء ورجال التقوى يأبون ولايته ، وكثيراً ما كانوا يقهرون على توليه ، وكان منهم من لم يتقاض الراتب الشهري إزاء قضائه ، تورعاً منه واحتياطاً في الدين ( 3 ) . وكانوا إذا ولوا القاضي جاؤوا به الجامع واحتفلوا هناك بقراءة السجل الصادر له بذلك ، وكان القاضي حرّاً في حكمه ، فيحكم على مذهبه واجتهاده ، ولا يجبر أن يحكم وفق مذهب من المذاهب ، ولكن بتداول الأيام ودخول أكثر الممالك
1 - ولذلك قال محمد بن عمر : لقد كان الرجلان يتقاولان بالمدينة في أول الزمان فيقول أحدهما لصاحبه : لأنت أفلس من القاضي ، فصار القضاة اليوم ولاة وجبابرة وملوكاً وأصحاب غلات وضياع وتجارات وأموال . الطبقات الكبرى : 5 / 280 . 2 - انظر : نوادر المعجزات : 26 ح 10 ، الفضائل لشاذان القمي : 74 ، بحار الأنوار : 80 / 362 ، وقال : قال الراوندي : الظاهر من دكة القضاء والمشهور في ذلك وقوع الحكم فيها غالباً ولم يذكر موضع آخر لجلوسه ( عليه السلام ) للحكم فيه . 3 - انظر : الطبقات الكبرى : 6 / 82 ، الثقات لابن حبان : 4 / 268 ، تاريخ دمشق : 13 / 361 .
256
نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 256