نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 170
مدرسة الكوفة كانت المدن ولا تزال دون الريف والقرى ، مركزاً للعلم والفن والأدب ، لأنها أوفر مؤناً وأوسع عمراناً ، تتوفر فيها الوسائل المهيئة للحركة الفكرية أكثر من غيرها ، لأن العمران ووسائل العمران تستتبع شيئاً من الغنى والرفاهية ، وهذه تستتبع شيئاً من الرقي في الفكر والعاطفة والذوق ، وعند ذلك يحدث الرأي وتبتدع الطريقة فينشأ العلم ويعمّر الأدب ، نعم إن الشؤون وآداب الشؤون تستدعي قوانين تنتظم علوماً يحصل بها رقي للعقل . والعراق العربي تركزت شؤونه في الكوفة والبصرة ، ولا تزال المدن تختلف في لون الذهنية الذي يظهر فيها ويكوّن مدرستها الخاصة ، تبعاً لتوفر أسباب وتظافر عوامل تستدعي ذلك اللون ، على هذا الأساس كانت مدرسة الكوفة مدرسة آداب اللغة العربية على الأكثر دون بقية العلوم ، لأن كل شيء فيها عربي ، وقد قيل : إن آداب اللغة العربية ميراث الكوفة . وكانت الكوفة بعيدة عن الذهنية الهندية التي طغت موجتها على البصرة ، وبعيدة عن مخلفات الأدب الفارسي الذي غشى المدرسة البغدادية ، ولم يؤثر الحمر أو الأساورة على صبغتها الأدبية ، الكوفة من أسارير خد الغذراء ، ذلك النشز الذي ازدهر فيه الأدب العربي أيام الحيرة وعلى عهد المناذرة ، وأن الكوفة تسلمت الأمانة من الحيرة ، ولا حاجة بنا إلى رواية حمّاد القائلة : إن النعمان بن المنذر نسخت له أشعار العرب ومزاياهم الأدبية فاختزنها في قصره الأبيض ، وكان الناس من الكوفيين يشيرون إلى ذلك المكان قائلين : إن هنا كنزاً ، حتى جاء المختار وكشف الموضع فظهرت كنوز العرب الأدبية ( 1 ) . وموقع القصر الأبيض اليوم في الجعارة ، نهض عليه بيت آل زوين أو مضيفهم ، وهم بيت علوي شريف وإلى اليوم يسمّون ذلك المكان بالقصر ، وفيه آثار للعمارة القديمة من بقايا سوار وجدر لا حاجة بنا إلى هذا ، لأن وحدة المكان والزمان واللغة
1 - انظر : لسان العرب : 2 / 317 .
170
نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 170