نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي جلد : 1 صفحه : 286
قال ابن الأعرابي : كان حاتم الطائي من شعراء الجاهلية وكان جواداً يشبه جوده شعره ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله وكان مظفراً إذا قاتل غلب وإذا سئل وهب وإذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان إذا أهل رجب الذي كانت تعظمه مضر في الجاهلية نحر كل يوم عشراً من الإبل وأطعم الناس واجتمعوا إليه وكان قد تزوج ماوية بنت عفير وكانت تلومه على إتلاف المال فلا يلتفت لقولها . وكان لها ابن عم يقال له مالك فقال لها يوماً : ما تصنعين بحاتم فوالله لئن وجد مالاً ليتلفنه وإن لم يجد ليتكلفن ولئن مات ليتركن أولاداً عالة على قومك . فقالت ماوية : صدقت إنه كذلك . وكانت النساء يطلقن الرجال في الجاهلية وكان طلاقهن أن يكن في بيوت من شعر فإن كان باب البيت من قبل المشرق حولته إلى المغرب وإن كان من قبل المغرب حولته إلى المشرق وإن كان من قبل اليمن حولته إلى الشام وإن كان من قبل الشام حولته إلى اليمن فإذا رأى الرجل ذلك علم أنها طلقته فلم يأتها ثم قال لها ابن عمها : طلقي حاتماً وأنا أتزوجك وأنا خير لك منه وأكثر مالاً وأنا أمسك عليك وعلى ولدك . فلم يزل بها حتى طلقته فأتاها حاتم وقد حولت باب الخباء فقال حاتم لولده : يا عدي ما ترى ما فعلت أمك فقال : قد رأيت ذلك . قال : فأخذ ابنه وهبط بطن واد فنزل فيه فجاءه قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون وكان عدتهم خمسين فارساً فضاقت بهم ماوية ذرعاً وقالت لجاريتها : اذهبي إلى ابن عمي مالك وقولي له : إن أضيافاً لحاتم قد نزلوا بنا وهم خمسون رجلاً فأرسل إلينا بشيء نقريهم ولبن نسقيهم وقالت لها انظري إلى جبينه وفمه فإن شافهك بالمعروف فاقبلي منه وإن ضرب بلحيته على زوره ولطم رأسه فاقبلي ودعيه . فلما أتته وجدته متوسداً وطباً من لبن فأيقظته وأبلغته الرسالة وقالت له : إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكان حاتم فلطم رأسه بيده وضرب بلحيته وقال : أقرئيها السلام وقولي لها : هذا الذي أمرتك أن تطلقي حاتماً لأجله وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم . فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت وبما قال لها فقالت لها : اذهبي إلى حاتم وقولي له : إن أضيافك قد نزلوا بنا الليلة ولم يعلموا مكانك فأرسل إلينا بناقة نقريهم ولبن نسقيهم فأتت الجارية حاتماً فصاحت به فقالت : لبيك قريباً دعوت فأخبرته بما جاءت بسببه فقال لها : حباً وكرامة ثم قام إلى الإبل فأطلق اثنتين من عقالهما وصاح بهما حتى أتيا الخباء ثم ضرب عراقيبهما فطفقت ماوية تصيح : هذا الذي طلقتك بسببه . نترك أولادنا وليس لهم شيء فقال لها : ويحك يا ماوية الذي خلقهم وخلق الخلق متكفل بأرزاقهم . وكان إذا اشتد البرد وغلب الشتاء أمر غلمانه بنار فيوقدونها في بقاع الأرض لينظر إليها من ضل عن الطريق ليلاً فيقصدها ولم يكن حاتم يمسك شيئاً ما عدا فرسه وسلاحه فإنه كان لا يجود بهما ثم جاد بفرسه في سنة مجدبة . حكي أن ملكان ابن أخي ماوية قال : قلت لها يوماً : يا عمة حدثيني ببعض عجائب حاتم وبعض مكارم أخلاقه فقالت : يا ابن أخي أعجب ما رأيت منه أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا فأخذت سفانة وأخذ عدياً وجعلنا نعللهما حتى ناما فأقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث حتى أنام فرفقت به لما به من الجوع فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي : أنمت فلم أجبه فسكت ونظر في فناء الخباء فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه فإذا امرأة فقال : ما هذا فقالت : يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاوون كالكلاب أو كالذئاب جوعاً فقال لها : أحضري صبيانك فوالله لأشبعنهم فقامت سريعة لأولادها فرفعت رأسي وقلت له : يا حاتم بماذا تشبع أطفالها فوالله ما نام صبيانك من الجوع
286
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي جلد : 1 صفحه : 286