أثر مقتل هذه المرأة في نفس أبي بلال مرداس تأثيرا بالغا أبلغ من مقتل أخيه وكان قد شهد مقتلها . لقد طفح الكيل . ولم يعد له قبل بمشاهدة هذا الذي يحدث . فخرج في أربعين رجلا إلى الأهواز سنة 60 ه . لأنه رأى أنه لا حق له أن يعيش بعد في البصرة تحت هذا السلطان . لم يتعرض لاحد بسوء ولم ينل من الخراج إلا ما يحق له أن يعيش منه هو وأهله . لم يعتد . بل دافع عن نفسه ضد المعتدين وبنجاح يثير الدهشة . ففي آسك . وهو موضع يقع بين رامهرمز وأرجان قاتل الأربعون رجلا الذين معه جيشا مؤلفا من ألفي رجل حتى اضطروهم إلى الفرار بعد أن قتلوا فيهم قتلا كثيرا . ثم انهزم أمام جيش كبير بقيادة عباد بن الأخضر التميمي حمل عليها أبو بلال وأصحابه وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم . ( ورجع عباد بن الأخضر وذلك الجيش الذي كان معه إلى البصرة . وأقبل عبيدة بن هلال معه ثلاثة نفر هو رابعهم . فرصد عباد بن الأخضر فأقبل ( عباد بن الأخضر ) يريد قصر الامارة وهو مردف ابنا له غلاما صغيرا . فقالوا : يا عبد الله ! قف حتى نستفتيك ! فوقف . فقالوا : ( نحن إخوة أربعة قتل أخونا فما ترى ؟ ) قال : استعدوا الأمير ! ) قالوا : ( قد استعديناه فلم يعدنا ) . قال : ( فاقتلوه ! قتله الله ! ) فوثبوا عليه فحكموا وألقى ابنه فقتلوه ) ( الطبري 2 / 391 ) وكان الأربعة من الخوارج [1] . ولقد أثار استشهاد أبي بلال أبلغ الحفيظة في نفوسهم لم يستطيعوا أو يفعلوا شيئا في البصرة طالما كان أبو عبيدة وطيد المكانة في ولايته . وإنما تغير الموقف حينما شاع الاضطراب بعد وفاة يزيد الأول ابن معاوية . ويصف ذلك أبو مخنف - كما نقله الطبري ( 2 / 153 . 520 ) فيقول : إن عبيد الله بن زياد استطاع أن يوفر لأهل البصرة الامن [2] . وهربا من اشتداد عبيد الله توجه الخوارج بعد قتل أبي بلال
[1] الطبري ( 2 / 187 390 ) ابن الأثير ( 3 / 428 وما يليها ) و ( الكامل ) ( ص / 585 وما يليها ) ويقال : إن ابن زياد قال ( الكامل ) ( ص / 604 س 2 ) إنه كلما قتل منهم أحد غدروا بمن أمرته بقتله . وقد أورد ( الكامل ) أسماء مشاهير خوارج البصرة كما وردت أسماؤهم أيضا في ابن الأثير ( 3 / 428 ) ضمن أبيات . [2] ألقي بالخوارج في السجن وراح يمن على أهل البصرة بصنيعه هذا ويطالبهم بشكره عليه ( الطبري 2 / 433 ) .