ليزور أهله ( فإذا طلع الفجر أتاه حتى يدخل السجن . وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد . فذكر ابن زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم إذا أصبح . فانطلق صديق مرداس إلى منزل مرداس فأخبرهم وقال : ( أرسلوا إلى أبي بلال في السجن فليعهد فإنه مقتول ) . فسمع ذلك مرداس وبلغ الخبر صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم الخبر مرداس فلا يرجع . فلما كان الوقت الذي يرجع فيه إذا به ( أي مرداس ) قد طلع ( أي أقبل إلى السجن ) . فقال له السجان : ( هل بلغك ما عزم عليه الأمير ؟ ) قال : ( نعم ) قال : ( ثم غدوت ( أي عدت إلى السجن ) ) ؟ قال : ( نعم لم يكن جزاؤك مع إحسانك أن تعاقب بسببي ) - وأصبح عبيد الله فجعل يقتل الخوارج . ثم دعا بمرداس فلما حضر وثب السجان - وكان ظئرا لعبيد الله - فأخذ يقدمه ثم قال : ( هب لي هذا ! ) وقص عليه قصته . فوهبه له وأطلقه بينما قتل الآخرين . هكذا يروي عمر بن شبة - حسبما نقله الطبري ( 2 / 186 وما يليها ) - هذه القصة المشهورة . وفيها بحسب هذه الرواية ما يعد مفخرة لعبيد الله بن زياد ولذا جرى فيها قلم التعديل بما صاغها على هذا النحو . أما أخو بلال مرداس ونعني به عروة بن أدية الذي كان أول من دعا إلى التحكيم في صفين قبل ذلك بعشرين سنة فلم يكن مصيره ذلك المصير اللين الرحيم . كانت ثمت رهان حضره عبيد الله بن زياد وجلس ينتظر الخيل فكسب عروة بن أدية ووجد أن هذه فرصة سانحة ليبرز أمام عبيد الله ويذكره بأنه ارتكب خمسة آثام كبيرة . ففهم الأمير ( ابن زياد ) من كلام عروة أن ذلك بدء فتنة فقام وترك رهانه وركب . وأدرك عروة خطورة ما فاه به فتوارى . ولكن اكتشف مكانه فأخذ بالكوفة ( فقدم به على ابن زياد فأمر به فقطعت يداه ورجلاه . ثم دعا به فقال : ( كيف ترى ؟ ) قال : ( أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك ) . فقتله وأرسل إلى ابنته فقتلها ) [1] . ولقى هذا المصير نفسه امرأة شديدة الحماسة تدعى ( البجاء ) [2] . كانت تخطب خطبا نارية مثيرة ضد عبيد الله وطغيانه . فأنذرها وحذرها من شر زياد فلم تستتر منه حتى لا تجر السوء على غيرها . فقبضوا عليها وقتلوها في سوق البصرة [3] .
[1] الطبري ( 2 / 185 وما يليها ) عن وهب بن جرير الذي ألف كتابا عن بعض الخوارج ( الأغاني ) ( 1 / 11 س 28 ) . [2] كذا في ابن الأثير ( 3 / 428 ) أما في ( الكامل ) فسمها : ( البلجاء ) . [3] أورد ( الكامل ) قصة شبيهة بهذه ( ص / 602 ص 15 ) ( ص / 604 س 7 ) .