نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 69
وباعدوني من الغنى ، وكلما دعوتهم أكثر ، كنت من الفقر أقرب ومن الغنى أبعد ؟ ! وفي قياسه هذا أن من رأيه أن يهجر كل من استسقاه شربة ماء ، أو تناول من حائطه تينة ، ومن خليط دابته عودا . ومر بأصحاب الجداء ، وذلك في زمان التوليد ، فأطعمه الزمان في الرّخص ، وتحركت شهوته على قدر إمكان عنده . فبعث غلاما له ، يقال له « ثقف » ، وهو معروف ، ليشتري له جديا ، فوقف غير بعيد . فلم يلبث أن رجع الغلام يحضر [1] ، وهو يشير بيده ، ويوميء برأسه ، أن : اذهب ولا تقف . فلم يبرح . فلما دنا منه قال : ويلك ! تهرّبني كأني مطلوب ؟ قال : هذا طرفة : الجدي بعشرة . أنت من ذي البابة [2] ؟ مرّ الآن ، مرّ مرّ . فإذا غلامه يرى أن من المنكر أن يشتري جدي بعشرة دراهم ، والجدي بعشرة إنما ينكر عندنا بالبصرة ، لكثرة الخير ورخص السعر . فأمّا في العساكر فإن أنكر ذلك منكر ، فإنما ينكره من طريق رخصه وقلة ثمنه ، لا لغير ذلك . ولا تقولوا الآن : قد واللَّه أساء أبو عثمان إلى صديقه ، بل ما تناوله بالسوء حتى بدأ بنفسه . ومن كانت هذه صفته ، وهذا مذهبه ، فغير مأمون على جليسه . وأيّ الرجال المهذّب [3] ؟ هذا واللَّه الشنوع والتبوع ، والبذاء وقلة الوفاء [4] .
[1] يحضر : يرجع الى حيث كان . [2] انت من ذي البابة ؛ اي ان هذا الأمر هل يصلح لك ؟ [3] إشارة إلى القصيدة الاعتذارية التي خاطب النابغة الذبياني بها الملك النعمان [4] الشنوع والتبوع والبذاء وقلة الوفاء : صفات الرجل القبيح .
69
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 69