نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 209
جاد بحوبائه عند المصافنة [1] فما رأينا عربيا سفّه حلم حاتم بجوده بجميع ماله ، ولا رأينا أحدا منهم سفّه حلم كعب على جوده بنفسه . بل جعلوا ذلك من كعب لإياد مفخرا ، وجعلوا ذلك من حاتم لطيء مأثرة ، ثم لعدنان على قحطان [2] ، ثم للعرب على العجم ، ثم لسكان جزيرة لعرب ، ولأهل تلك التربة ، على سائر الجزائر والترب . فمن أراد أن يخالف ما وصف اللَّه جلّ ذكره به نفسه ، وما منح من ذلك نبيّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وما فطر على تفضيله العرب قاطبة والأمم كافة ، لم يكن عندنا فيه إلا إكفاره واستسقاطه [3] . ولم نر الأمة أبغضت جوادا قطَّ ولا حقرته ، بل أحبّته وأعظمته . بل أحبّت عقبه ، وأعظمت من أجله رهطه . ولا وجدناهم أبغضوا جوادا ، لمجاوزته حدّ الجود الى السرف ، ولا حقرته ، بل وجدناهم يتعلمون مناقبه [4] ، ويدّارسون محاسنه ، وحتى أضافوا إليه من نوادر الجميل ما لم يفعله ، ونحلوه [5] من غرائب الكرم ما لم يكن يبلغه . ولذلك زعموا أن الثناء في الدنيا يضاعف ، كما تضاعف الحسنات في الآخرة . نعم وحتى أضافوا إليه كلّ مديح شارد [6] ، وكل معروف مجهول الصاحب . ثم وجدنا هؤلاء بأعيانهم للبخيل على ضدّ هذه الصفة ، وعلى خلاف هذا المذهب . وجدناهم يبغضونه مرة ، ويحقّرونه مرة ،
[1] بحوبائه : بنفسه . المصافنة : ان يقاسم الواحد الآخر . [2] إياد : قبيلة كعب . وإياد : اسم رجل ، هو ابن معد قحطان : ابو اليمن . طيء : ابو قبيلة من اليمن . وحاتم الطائي : الرجل المشهور بجوده ، وهو حاتم بن عبد اللَّه بن سعد بن الحشرج الطائي . كانت وفاته نحو سنة 45 ق ه . وعدنان : من ابناء اسماعيل بن ابراهيم ، احد من تقف عندهم أنساب العرب . [3] إكفاره : دعوته كافرا واستسقاطه : الجحود به وإنكاره ، وإسقاطه . [4] مناقبه : صفاته الحميدة . [5] نحلوه : نسبوا إليه صفة ليست له . [6] شارد : نافر . يعني المديح الغريب .
209
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 209