نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 208
وكان إدا سئل أعطى ، وإذا وعد أو أطمع ، كان وعده كالعيان ، وإطماعه كالانجاز . ومدحته الشعراء بالجود ، وذكرته الخطباء بالسماح . ولقد يهب للرجل الواحد الضاجعة [1] من الشاء ، والعرج [2] من الإبل . وكان أكثر ما يهب الملك من العرب مائة بعير ، فيقال وهب هنيدة [3] . وإنما يقال ذلك إذا أريد بالقول غاية المدح . ولقد وهب لرجل ألف بعير ، فلما رآها تزدحم في الوادي قال : « أشهد أنك نبيّ ، وما هذا مما تجود به الأنفس » . وفخرت هاشم على سائر قريش ، فقالوا : « نحن أطعم للطعام ، وأضرب للهام » وذكرها بعض العلماء ، فقالوا : « أجواد مجّاد ذوو ألسنة حداد » [4] . وأجمعت الأمم كلها ، بخيلها وسخيّها وممزوجها ، على ذمّ البخل وحمد الجود ، كما أجمعوا على ذمّ الكذب وحمد الصدق . وقالوا : « أفضل الجود الجود بالمجهود » . وحتى قالوا في جهد المقل [5] ، وفيمن أخرج الجهد ، وأعطى الكلّ ، وحتى جعلوا لمن جاد بنفسه فضيلة على من جاد بماله ، فقال الفرزدق [6] : < شعر > على ساعة لو كان في القوم حاتم على جوده ضنّت له نفس حاتم < / شعر > ولم يكن الفرزدق ليضرب المثل في هذا الموضع بكعب بن مامة [7] ، وقد
[1] الضاجعة : الغنم الكثيرة . [2] العرج من الابل : ما بين السبعين الى الثمانين . [3] الهنيدة : اسم للمائة من الابل وكذلك هند . [4] هم كرام اعزاء ذوو سيوف حادة ضاربة . [5] اي العطاء بقدر الجهد والطاقة ، ولو كان المعطي مقلا . [6] الفرزدق : هو شاعر من شعراء العصر الأموي اسمه همّام بن غالب بن صعصعة ، من بني دارم لقبه الفرزدق ؛ اي قطعة العجين او الرغيف الضخم . ولد في البصرة سنة 641 م ونشأ فيها . مال الى التهتك والفحش والخلاعة . [7] كعب بن مامه : أحد أجواد العرب .
208
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 208