responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 18


عاندوا الحق ، وخالفوا الأمم [1] ؟ وما هذا التركيب المتضاد ، والمزاج المتنافي ؟ وما هذا الغباء الشديد الذي الى جنبه فطنة عجيبة ؟ وما هذا السبب الذي خفي به الجليل الواضح ، وأدرك به الجليل الغامض ؟ ! وقلت : وليس عجبي ممن خلع عذاره في البخل ، وأبدى صفحته للذمّ ، ولم يرض من القول إلا بمقارعة الخصم ، ولا من الإحتجاج إلا بما رسم في الكتب ؛ ولا عجبي من مغلوب على عقله ، مسخّر لإظهار عيبه ، كعجبي ممن قد فطن لبخله ، وعرف إفراط شحّه ، وهو في ذلك يجاهد نفسه ، ويغالب طبعه ، ولربما ظن أن قد فطن له ، وعرف ما عنده ، فموّه شيئا لا يقبل التمويه ، ورقع خرقا لا يقبل الرقع . فلو أنه كما فطن لعيبه ، وفطن لمن فطن لعيبه ، فطن لضعفه عن علاج نفسه ، وعن تقويم أخلاقه ، وعن استرجاع ما سلف من عاداته ، وعن قلبه أخلاقه المدخولة [2] إلى أن تعود سليمة ، لترك تكلَّف ما لا يستطيعه ، ولربح الإنفاق على من يذمّه ، ولما وضع على نفسه الرقباء ، ولا أحضر مائدته الشعراء ، ولا خالط برد [3] الآفاق ، ولا لابس الموكلين بالأخبار ، ولاستراح من كدّ الكلفة ، ودخل في غمار الأمة .
وبعد ، فما باله يفطن لعيوب الناس إذا أطعموه ، ولا يفطن لعيب نفسه إذا أطعمهم ؟ وإن كان عيبه مكشوفا ، وعيب من أطعمه مستورا ؟
ولم سخت نفس أحدهم بالكثير من التبر [4] ، وشحّت بالقليل من الطعم ؟ وقد علم أن الذي منع يسير في جنب ما بذل ، وأنه ، لو شاء أن



[1] الأمم : الغالية والقصد .
[2] أخلاقة المدخولة : الأخلاق التي أفسدت لأسباب طارئة
[3] برد : مفردها بريد ، من يوكّل بالأخبار والانباء .
[4] التبر : الذهب .

18

نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 18
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست