نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 17
الخوف ، وبخسوا نصيب الرجاء ، مع طول السلامة ، وشمول العافية ؟ والمعافى أكثر من المبتلى ؛ وليست الفوائد أقل من الحوائج [1] . بل كيف يدعو الى السعادة من خصّ نفسه بالشقوة ، فكيف ينتحل نصيحة العامة ، من بدأ بغشّ الخاصة ؟ ولم احتجوا ، مع شدة عقولهم ، لما أجمعت الأمة على تقبيحه ؟ ولم فخروا ، مع اتساع معرفتهم ، بما أطبقوا على تهجينه [2] ؟ وكيف يفطن عند الاعتلال له ، ويتغلغل [3] عند الاحتجاج عنه ، إلى الغايات عنه ، الى الغايات البعيدة والمعاني اللطيفة ، ولا يفطن لظاهر قبحه ، وشناعة اسمه ، وخمول ذكره وسوء أثره على أهله . وكيف ، وهو الذي يجمع له بين الكد ، وقلة المرزئة [4] ، وبين السهر ، وخشونة المضجع ، وبين طول الاغتراب ، وطول قلة الانتفاع ، ومع علمه بأن وارثه أعدى له من عدّوه ، وأنه أحقّ بماله من وليّه ، أوليس هو أظهر الجهل والغباوة ، وانتحل الغفلة والحماقة ، ثم احتجّ لذلك بالمعاني الشداد ، وبالألفاظ الحسان ، وجودة الإختصار ، وبتقريب المعنى ، وبسهولة المخرج ، وإصابة الموضع ، فكان ما ظهر من معانيه وبيانه مكذّبا لما ظهر من جهله ونقصانه . ولم جاز أن يبصر بعقله البعيد الغامض ، ويغبى عن القريب الجليل ؟ ! . وقلت : فبيّن لي ما الشيء الذي خبّل [5] عقولهم ، وأفسد أذهانهم ، وأغشى تلك الأبصار ، ونقض ذلك الإعتدال ؟ وما الشيء الذي له
[1] الحوائج : مفردها جائحة ، وهي البلية والتهلكة . [2] تهجينه : ذمه وتقبيحه . [3] يتغلغل : يتداخل فيه على تعب . [4] قلة المرزئة : عدم إصابة المال والحصول عليه . [5] خبّل : أفسد .
17
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 17