نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 19
يحصل بالقليل مما جاد به أضعاف ما بخل به ، كان ذلك عتيدا [1] ، ويسيرا موجودا . وقلت : ولا بدّ من أن تعرفني الهنات [2] التي نمت على المتكلفين [3] ، ودلَّت على حقائق المتموهّين ، وهتكت عزّ أستار الأدعياء ، وفرّقت بين الحقيقة والرياء ، وفصلت بين المقهور المنزجر [4] ، والمطبوع المبتهل [5] ، لتقف ، كما زعمت ، عندها ، ولتعرض نفسك عليها ولتتوهّم مواقعها وعواقبها . فإن نبّهك التصفّح بها على عيب قد أغفلته ، عرفت مكانه فاجتنبته ، فإن كان عتيدا ظاهرا معروفا عندك ، نظرت ؛ فإن كان احتمالك فاضلا على بخلك دمت على إطعامهم ، وعلى اكتساب المحبة بمؤاكلتهم ؛ وإن كان اكتراثك غامر الإجتهاد ، سترت نفسك وانفردت بطيّب زادك ، ودخلت مع الغمار [6] وعشت عيش المستورين . وإن كانت الحروب بينك وبين طباعك سجالا ، وكانت أسبابكما أمثالا وأشكالا ، أجبت الحزم الى ترك التعرّض ، وأجبت الإحتياط إلى رفض التكلَّف ، ورأيت أنّ من حصّل السلامة من الذمّ ، فقد غنم ؛ وأنّ من آثر [7] الثقة على التغرير ، فقد حزم . وذكرت أنك الى معرفة هذا الباب أحوج ، وأنّ ذا المروءة الى هذا العلم أفقر ؛ وإني إن حصّنت من الذمّ عرضك ، بعد أن حصّنت من
[1] العتيد : المهيّأ ، الحاضر . [2] الهنات : مفردها هنة ، اي خصلات شر . [3] المتكلفين : الذين يتحملون المشقة والعناء . [4] المنزجر : من زجر ، أي المرء الذي منع عن شيء . [5] المبتهل : المتوسّل الى اللَّه . [6] الغمار : دخلت مع زحمة الناس . [7] آثر : فضّل .
19
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 19