نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 174
غايته ، وصار إماما ، وإنه كان إذا صار في يده الدرهم ، خاطبه وناجاه وفدّاه واستبطأه . وكان مما يقول له : « كم من أرض قد قطعت ، وكم من كيس قد فارقت ، وكم من خامل رفعت ، ومن رفيع قد أخملت [1] . لك عندي أن لا تعرى ولا تضحى [2] » ثم يلقيه في كيسه ويقول له : اسكن على اسم اللَّه في مكان لا تهان ولا تذلّ ولا تزعج منه » . وأنه لم يدخل فيه درهما قط فأخرجه . وأن أهله الَّحوا عليه في شهوة ، وأكثروا عليه في إنفاق درهم ، فدافعهم ما أمكن ذلك . ثم حمل درهما فقط . فبيناه ذاهب إذ رأى حوّاء [3] قد أرسل على نفسه أفعى لدرهم يأخذه ، فقال في نفسه : « اتلف شيئا تبذل فيه النفس ، بأكلة أو شربة ، واللَّه ما هذا إلا موعظة لي من اللَّه » . فرجع إلى أهله ، ورد الدرهم الى كيسه . فكان أهله في بلاء ، وكانوا يتمنون موته والخلاص منه بالموت ، والحياة بدونه . فلما مات وظن أنهم قد استراحوا منه ، قدم إبنه ، فاستولى على ماله وداره ، ثم قال : « ما كان أدم أبي ؟ فإن أكثر الفساد إنما يكون في الإدام » . قالوا : « كان يتأدّم [4] بجبنة عنده » . قال : « ارونيها » [5] . فإذا فيها حزّ كالجدول من أثر مسح اللقمة . قال : « ما هذه الحفرة » ؟ قالوا : كان لا يقطع الجبن ، وإنما كان يمسح على ظهره ، فيحفر كما ترى قال : « فهذا أهلكني ، وبهذا أقعدني هذا المقعد . لو علمت ذلك ما صلَّيت عليه » . قالوا : « فأنت كيف تريد أن تصنع » ؟ قال : « أضعها من بعيد ، فأشير اليها باللقمة » .
[1] اخملت : جعلته خاملا . [2] أي انك لن ترى النور ، ولن تخرج من المخبأ . [3] حوّاء : من يربي الحيّات . [4] يتأدّم : يأكل . [5] أرونيها : دعوني أراها .
174
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 174