للعرجيّ ، وكان / فأفاء ، فوقف عليه فأراد أن يتوجّع لما ناله ويدعو له ، فلجلج لما كان في لسانه كما يفعل الفأفاء [1] . فقال له ابن غرير : عنّي ، لا خرجت من فيك أبدا ! فقال له الرجل : فمكانك [2] إذا لا برحت منه أبدا . قال : ومرّ به صبيان يلقطون النّوى ، فوقفوا ينظرون إليه ، فالتفت إلى ابن غرير وقال له : ما أعرف في الدنيا سخلين أشأم منّي ومنك ! إنّ هؤلاء الصّبيان لأهلهم عليهم في كلّ يوم على كلّ واحد منهم مدّ نوى ، فقد تركوا لقطهم للَّنوى ، وقد وقفوا ينظرون إليّ وإليك وينصرفون بغير شيء فيضربون ، فيكون شؤمنا قد لحقهم . قال : وقال العرجيّ في حبسه : صوت < شعر > أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد [3] ثغر وصبر [4] عند معترك المنايا وقد شرعت أسنّتها بنحري أجرّر في الجوامع [5] كلّ يوم فيا للَّه مظلمتي [6] وصبري [7] كأنّي لم أكن فيهم وسيطا [8] ولم تك نسبتي في آل عمرو [9] < / شعر > أبو حنيفة وجار له كان يغني بشعر العرجيّ أخبرني محمد بن زكريّا الصّحّاف [10] قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن الأصمعيّ قال : / كان لأبي حنيفة جار بالكوفة يغنّي ، فكان إذا انصرف وقد سكر يغنّي في غرفته ، ويسمع أبو حنيفة غناءه فيعجبه . وكان كثيرا ما يغنّي : < شعر > أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر < / شعر > فلقيه العسس ليلة [11] فأخذوه وحبس . ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة ، فسأل عنه من غد فأخبر ، فدعا بسواده [12]
[1] كذا في أكثر النسخ . وفي ب ، س : « الفأفاءة » ولعل التاء زيدت فيه للمبالغة . [2] في ت : « مكانك » من غير فاء . [3] سداد الثغر بالكسر : ما يسد به الثغر من خيل ورجال وغير ذلك من عدد الحرب . [4] في ت : « فصبرا عند معترك المنايا » . [5] الجوامع : جمع جامعة وهي هنا الغل . [6] المظلمة بكسر اللام : الظلم . [7] الصبر : الحبس . [8] يقال : فلان وسيط في قومه ، إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم مجدا . [9] يريد عمرو بن عثمان بن عفان . [10] الصحاف كشدّاد : بائع الصحف أو الذي يعملها . [11] العسس : جمع عاسّ ، وهو الذي يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة . [12] كان السواد شعارا لبني العباس ، وكان أشياعهم يرتدونه ؛ ولذلك سمّوا المسوّدة ( بكسر الواو المشدّدة ) . وقد روى أبو الفرج في الجزء التاسع من « الأغاني » ، طبع بلاق ، في أخبار أبي دلامة ونسبه أن أبا جعفر المنصور أمر أصحابه بلبس السواد وقلانس طوال تدعم بعيدان من داخلها ، وأن يعلقوا السيوف في المناطق ويكتبوا على ظهورهم : « * ( ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ أللهُ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ) * . فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزي ، فقال له أبو جعفر : ما حالك ؟ قال : شرّ حال ، وجهي في نصفي وسيفي في استي وكتاب اللَّه وراء