كان العرجيّ يستقي على إبله في شملتين [1] ، ثم يغتسل ويلبس حلَّتين بخمسمائة دينار ، ثم يقول : < شعر > يوما لأصحابي ويوما للمال مدرعة [2] يوما ويوما سربال [3] < / شعر > أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجاله : أنّ العرجيّ كان غازيا فأصابت الناس مجاعة ، فقال للتجار : أعطوا الناس وعليّ ما تعطون ، فلم يزل يعطيهم ويطعم الناس حتى أخصبوا [4] ، فبلغ ذلك عشرين ألف دينار ، فألزمها [5] العرجيّ نفسه . وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز فقال : بيت المال أحقّ بهذا ، فقضى التّجّار ذلك المال من بيت المال . العرجيّ وأم الأوقص وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه ، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري [6] وغيره : أنّ العرجيّ خرج إلى جنبات [7] / الطائف متنزّها [8] ، فمرّ ببطن النّقيع [9] فنظر إلى أمّ الأوقص ، وهو محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ القاضي ، وكان يتعرّض لها ، فإذا رآها رمت بنفسها وتستّرت منه ، وهي امرأة من بني تميم ، فبصر بها في نسوة جالسة وهنّ يتحدّثن ، فعرفها وأحبّ أن يتأملَّها من قرب ، فعدل عنها ولقي أعرابيّا من بني نصر على بكر له ومعه وطبا [10] لبن ، فدفع إليه دابّته وثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه ، ثم أقبل على النسوة فصحن به : يا أعرابيّ ، أمعك لبن ؟ قال : نعم ، ومال إليهنّ وجلس يتأمّل أمّ الأوقص ، وتواثب من معها إلى الوطبين ، وجعل العرجيّ يلحظها وينظر أحيانا إلى الأرض كأنه يطلب شيئا وهنّ يشربن من اللَّبن . فقالت له امرأة منهنّ : أيّ شيء تطلب يا أعرابيّ في الأرض ؟ أضاع منك شيء ؟ قال : نعم قلبي . فلمّا سمعت التّميميّة كلامه نظرت
[1] الشملة : كساء مخمل دون القطيفة يشتمل به . قال أبو منصور : الشملة عند العرب : مئزر من صوف أو شعر يؤتزر به ، فإذا لفّق لفقين فهي مشملة يشتمل بها الرجل إذا نام بالليل . [2] قال في « اللسان » : والمدرع : ضرب من الثياب التي تلبس ، وقيل جبة مشقوقة المقدم . والمدرعة : ثوب آخر ولا تكون إلا من الصوف خاصة . [3] السربال : القميص أو الدرع ، وقيل : كل ما لبس فهو سربال . [4] في ح : « حتى أحصى » . [5] في ح : « فالتزمها العرجيّ » . وفي ب : « فالتزمها العرجيّ نفسه » . [6] كذا في ب ، س . وفي ح : « الزبير » . وفي سائر النسخ : « الزهري » . [7] جنبات : جمع جنبة وهي الناحية . [8] قال ابن سيده : تنزه الانسان : خرج إلى الأرض النزهة ( وهي الأرض البعيدة النائية من الأنداء والمياه والغمق ) . قال : والعامة يضعون الشيء في غير موضعه ويغلطون فيقولون : خرجنا نتنزه ، إذا خرجوا إلى البساتين فيجعلون التنزه الخروج إلى البساتين والخضر والرياض ، وإنما التنزه : التباعد عن الأرياف والمياه حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس ، وذلك شق البادية ، ومنه قيل : فلان يتنزه عن الأقذار وينزه نفسه عنها أي يباعد نفسه عنها . قال المرتضى : قال شيخنا نقلا عن الشهاب : لا يخفى أن العادة كون البساتين في خارج القرى غالبا ، ولا شك إن الخروج إليها تباعد . ( راجع « لسان العرب » و « شرح القاموس » مادّة نزه ) . [9] كذا في معاهد التنصيص طبع بولاق في ترجمة العرجيّ ص 422 ، والنقيع كما في « القاموس » : موضع بجنبات الطائف . وفي الأصول : « البقيع » بالباء وهو تصحيف . [10] الوطب : سقاء اللبن .