/ قدم الفرزدق المدينة وبها رجلان يقال لأحدهما صريم [1] ، وللآخر ابن أسماء ، وصفا له فقصدهما ، وكان عندهما قيان [2] ، فسلَّم عليهما وقال لهما : من أنتما ؟ فقال أحدهما : أنا فرعون ، وقال الآخر : أنا هامان . قال : فأين منزلكما في النار حتى أقصدكما ؟ فقالا : نحن جيران الفرزدق الشاعر ! فضحك ونزل ، فسلَّم عليهما وسلَّما عليه وتعاشروا مدّة . ثم سألهما أن يجمعا بينه وبين عمر بن أبي ربيعة ففعلا ، واجتمعا وتحادثا وتناشدا إلى أن أنشد عمر قصيدته التي يقول فيها : فلمّا [3] < شعر > التقينا واطمأنت بنا النّوى وغيّب عنّا من نخاف ونشفق < / شعر > حتى انتهى إلى قوله : < شعر > فقمن لكي يخليننا [4] فترقرقت مدامع عينيها وظلَّت تدفّق وقالت أما ترحمنني ! لا تدعنني لدى غزل جمّ الصّبابة يخرق [5] فقلن اسكتي عنّا فلست مطاعة وخلَّك منّا - فاعلمي - بك أرفق [6] < / شعر > فصاح الفرزدق : أنت واللَّه يا أبا الخطَّاب أغزل الناس ! لا يحسن واللَّه الشعراء أن يقولوا مثل هذا النّسيب ولا أن يرقوا مثل هذه الرّقية ! وودّعه وانصرف . عمرو وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عياش بن أبي ربيعة أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد [7] المساحقيّ عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه : أنه حجّ مع أبيه [8] الحارث بن عبد اللَّه بن عيّاش بن أبي ربيعة ، فأتى عمر بن أبي ربيعة وقد أسنّ وشاخ ، فسلَّم عليه وساء له ثم قال له : أيّ شيء أحدثت بعدي يا أبا الخطَّاب ؟ فأنشده : < شعر > يقولون [9] : إنّي لست أصدقك الهوى وإنّي لا أرعاك حين أغيب / فما بال طرفي [10] عفّ عما تساقطت له أعين من معشر وقلوب < / شعر >
[1] كذا في ت . ح ، ر . وفي سائر النسخ : « صويم » بالواو . ولم نرجحه إذ لم نقف على أنه سمي به . [2] في ت : « فتيان » . [3] في « ديوانه » المطبوع والمخطوط : « لما » بدون الفاء . وهو الصواب ؛ لأن هذا البيت مطلع هذه القصيدة ، وقد دخله الخرم . [4] يخليننا : يجعلننا في خلوة منهنّ . [5] يخرق : يحمق . والبيت في « ديوانه » : < شعر > وقالت أما ترحمنني أن تدعنني لديه وهو فيما علمتنّ أخرق < / شعر > [6] في ديوانه : < شعر > . . . فغير مطاعة لهو بك منا - فاعلمي ذاك - أرفق < / شعر > [7] كذا في ت ، ح ، ر . وفي سائر النسخ : « سعد » وهو تحريف . ( انظر « أنساب السمعاني » في مادة المساحقي ) . [8] في جميع النسخ عدا نسخة ت : « معه ابنه » . وفي ت : « مع ابنه » وكلاهما تحريف . ولعل الأخيرة محرّفة عن « مع أبيه » ؛ إذ أن أبا عبد الرحمن هو الحارث بن عبد اللَّه بن عياش بن أبي ربيعة . ( انظر « تقريب التهذيب » فيمن اسمه المغيرة ) . [9] في ت : « تقولين » . [10] في ت : « قلبي » .