- " لا أفهم ما تقول ؟ " . - " إنّك بخصالك هذه تذكرني بحالات الطفولة التي تحبس أنفاسنا عند إكتظاظها بطعنات الخوف والتردد . . فلا يكاد بنا أن نبصر شيئاً أو أن نسمح لأنفسنا بالنظر إلى ملمح ما حتّى كان لنا أن نطلب الإذن من آبائنا أو أُمهاتنا ، أو ممن يكبرنا . . " . قاطعني : - " وهل في ذلك من شك في صحته ؟ " . - " كلا ، البتة . ولكن لكُلّ مقام مقال ، ففي ذلك الزمان كنت تحتاج فيه إلى استشارة حقيقية ، وإلى عدم المرور من أمام أي شيء حتّى تذكر نصيحة من جاوزك في الشيء ، وإشارة من فاقك في العلم وبزّك في الباع والقدرة . . بل إنّك لتحتكم إلى عقله ، ولتدرك عندها أنك لا تساوي شيئاً من دونه ، لأنّك تستفيض من ينابيعه الثرة . . من كان أحدهم إلاّ ليمثل لك صورة تحكي مقاليد المثل الذي تقتدي به و . . وتظن أن كُلّ ما يقولونه هو عين الصواب . . هذا ما من ورائه أيّما شك . . إلاّ أنك حينما تكبر وتستفيد ثقتك بنفسك بك ، بل . . تكتسب التجارب الكثيرة ، وتستقطب روح الأعمار على النفس . البتة من دون التمرد على طلعات تلك الأعوام المتصرمة ، أو تشيح بوجهك عنها وتتنكر لمن علمك حرفاً ، ولمن رعاك طوال هذه المدة ، وحفلت به كُلّ هذه الأعوام حتّى كلأك وحرصك على أن يبلغ بك مقاصد السبيل التي لا ينكر أحد صدق ضرورة التشوف إليها . . ولكن ! " . - " ولكن . . ولكن ماذا ؟ ! " . - " عليك أن تدرك أن أباك مثلما جعل منك روحاً تتحرك بفعل نسمات