الجوارح ؟ قال : نعم . وعندئذ قلت له : يا أبا مروان ، فاللّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً ، يصحح لها الصحيح ، ويتيقن به ما شك فيه ، ويترك هذا الخلق كُلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماماً لجوارحك ، تردّ إليه حيرتك وشكّك ؟ فسكت ولم يقل شيئاً . ثُمّ التفت إلي ، فقال لي : أنت هشام بن الحكم ؟ . . قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة . قال : فأنت اذاً هو . ثُمّ ضمّني إليه ، وأقعدني في مجلسه ، وزال عن مجلسه ، وما نطق حتّى قمت . . " . لقد تحدثت إلى كثيرين ، وتحدث إليّ كثيرون ، وكانت إحدى هذه اللقاءات العلمية تشتمل على ما نطق به سلمان ! وهو ابن أحد تجار القطن المشهورين ، هو الحاج فائق عبد المنعم . . كان سلمان هذا مترجماً للغة الفرنسية ! ولقد رأيته متبحراً في هذا الموضوع مما دعاني إلى التفكير أولاً ، والاعتقاد أخيراً بأنّ هذه المواضيع العقائدية لا تختص بشخص دون آخر . . ولا تهتم باختصاص دون آخر ، فكُلّ من كان له عقل وقلب يرى بهما ، فإنّه حريٌّ به أن يناقش عقيدته التي يتعبد على ضوء أحكامها . . وأن يراجع نفسه وما تنتمي إليه وتعتقد به بين الفينة والأُخرى . . كما له أن يحاسب نفسه كُلّ ليلة حين يأوي إلى فراشه ، وذلك كيما يتأكد أنه على الجادة السواء وسبيل الصراط الأقوم . . ولا يطيش لبّه في غد ، بين يدي ربِّ قوي متين . . فيقول له : لم يتسن لي الوقت كيما أراجع ما أعتقد به ، أو المذهب الذي انتميت إليه ، أو بالأحرى الذي جعلاني عليه أبي وأمي . . كما جعلا أبوا كُلّ مسيحي ويهودي ومجوسي عليه أولادهما . . فيهوّدانه ، وينصّرانه ، ويمجّسانه ، ويمذهبانه بالتالي ! حتّى كان قد وصل بنا الحديث إلى هذه المقتطفات المستلقية على