رطوبتها حتّى إذا عدت إليهم جعلت أرتمي في أحضان أبي وأمي وأخواتي وأصارع دمعاً جعلت أغالبه من فرط الشوق إليهم ، وما صار يعتصرني من حبور وفرحة . . كأنّها دموع فرح لا ينطق بها وجد لمعانها إلاّ إذا كان لها أن تنسفح من زوايا آماقي ، وتنحدر من جيوب نواظري السخية . . فلم يكن لي أن أنشق عن سلالتهم ، ولا أن أنأى عن منهجهم فعلاً ولا قولاً . . إلاّ أني وكُلّما فكرت في الموت ، وكيف له أن يكون بمستطاعه أن يجعلني في نأي عنهم ، لأصير لوحدي أقاسي آلام الغربة الحقيقية ، لأن الموت ما كان إلاّ حداً فاصلاً . أما السفر والافتراق فهو فرصة ، وتنتهي بنفاذ شروط إحكاماتها حتّى إذا ما زالت ، عادت السحب ترتقي عنان السماء ، وتحمل براتعها المنسجمة غدقاً وصيباً ، وذلك عند اللقاء ومن جديد . . كذلك ، كنت أفكر في أهلي عند منازعة عقلي لأفكاري ، ومجاذبة الأخيرة للسان الصمت الذي جعل يتحرك دون رغبة منه في داخلي ، هكذا عنوة . . فكنت لا أستجيب لأي شفرة تحيل حياتي إلى فراق وبعاد عن أبي وأمي وبيتنا . . وهكذا ، وجدتني في ليلة وضحاها ، أنأى عنهم صاغراً ، وبالرغم مني ، لأجدني في يوم من الأيام أفكر في النأي عن معتقداتهم ، والعزم على انتحال صبغة هي غير ما انتحلته ضمائرهم ، واعتناق غير ما اعتنقته ذكرياتهم . . لأن هذه الأخيرة غدت طافحة بكُلّ جميل ومرّ . . وكنت أعترف بأني أحمل بين أضلعي إنساناً ، ربما يضعف في بعض الأحيان إلى حد هو أعظم من أن يوصف ، غير أني شعرت وكُلّما صرت اقترب إلى نقطة الصِّفر وساعة الصَّفَر في تصميمي على اتخاذ القرار والعزم على ترك المذهب السني ، واعتناقي للمذهب الشيعي ، كنت أشعر بأني كنت أصير إلى ارتقاء سلّم مجد ما