أشاء بفعل عقلي الحازم وما عليه فكري الثاقب دون التعصب لأهل أو جار ، أو عشيرة ، أو سكان مصر وحاضرة ، دون التفكير بأي ماض ، دون الاعتلال على الأخير بمستقبل يفد عليه صاغراً مذعناً . . لأن ثوب الحقيقة لا بدّ أن يكتسح أنواء السماء دون حائل حتّى يشرف على صدى القلوب ، فيتنازعها البقاء ، وكيف لها أن تحتم الارتقاء إلى حجم التطلع نحو حبك نسائج ألوانه وهي التي قد رسخت في الأرض ، وأقبلت بما يمكن أن تثني معه عزمه عن التعالي على أوراق ومواريث الأجداد ، ذلك حين يستطرق العقل ، فيستطرد الذهن في إبطال مفعولها دون أن يرى في ذلك أي خير سوى تنكّب رقية الحقيقة التي تعوذه من شر كُلّ الآفات . . فليس يمنع أحدٌ من الموت إن هو ظل على دين آبائه ، وما كان ليجديه أيّما سبق في اللحاق بركب الأفذاذ إن هو أقر بما أقره الأولون دون عناية واستنباط واستقراء ودراسة . فما كان الموت ليغادر صغيراً ولا كبيراً . . وما كان للسان المنية أن يمتنع عن تناهب أيّما شيبة وشبيبة . . وخلاصة الأمر إنّ الكُلّ ماضون إلى سبيل هو عاجلاً أو آجلاً سوف يخضعون وفي خلاله إلى استجواب خاص ، كُلّ منهم على انفراد . . فكيف بي وأنا الوحيد الذي سيلبث هناك يتقوقع بين جدران أوهدة الظلمات ، وملائكة السؤال يشددون قبضاتهم على كتفي ، وقد عيل صبرهم على مكايدتي لهم ، يحاولون أن يلحقوني بأهل النجاة ترحمّاً بي ورقّة بحالي وأنا ما كنت لأحير جواباً . . لأني ما كنت أبحث عن مثله في الحياة الدنيا ، ذلك أني اكتفيت بما وجدت عليه آبائي وإخواني . فكنت إذا غادرتهم لزمان ما ، ولأي مكان سافرت ، أو نأيت عنهم وقصيت برسمي وجسدي عن ألوان أبشارهم جعلت أشتاق إليهم ، وأنازع صديد الغربة ، وأكابد أوار كآبتها بعد أن يضطهدني صدأ