الذي يميل إليه الإشراقيون ، وذهب إليه شيخ الاشراق [1] ، واختاره صدر المتألهين قدس سره [2] . واستدل عليه بوجوه : أحدها [3] : أن القوى النباتية من الغاذية والنامية والمولدة أعراض حالة في جسم ، موضوعها متغيرة بتغيره متحللة بتحلله فاقدة للعلم والإدراك ، فمن المحال أن تكون هي المبادئ الموجدة لهذه التراكيب العجيبة التي لموضوعاتها والأفعال المختلفة والأشكال والتخاطيط الحسنة الجميلة التي فيها مع ما فيها من النظام الدقيق المتقن المحير للعقول ، فليس إلا أن هناك جوهرا عقليا مجردا يعتنى بها ويدبر أمرها ويهديها إلى غاياتها في الوجود . وفيه : أن هذا الدليل لو تم دل على أن هذه الأعمال العجيبة والنظام الجاري فيها تنتهي إلى جوهر عقلي ذي علم ، وأما قيامه بجوهر عقلي مباشر لا واسطة بينه وبين الجسم النباتي فلا ، فمن الجائز أن ينسب ما نسبوه إلى هذا الجوهر العقلي إلى الصورة الجوهرية التي بها تتحقق نوعية النوع وفوقها العقل الفعال الذي هو آخر سلسلة العقول الطولية . الثاني [4] : أن الأنواع الطبيعية المادية بما لها من النظام الجاري فيها دائما ليست موجودة عن اتفاق ، فالأمر الإتفاقي لا يكون دائميا ولا أكثريا ، فلهذه الأنواع علل حقيقية ، وليست هي التي يزعمونها من الأمزجة ونحوها ، إذ لا دليل يدل على ذلك ، بل العلة الحقيقية التي يستند إليها كل منها جوهر عقلي مجرد ومثال كلي يعتنى به ويوجده ويدبر أمره ، والمراد بكليته استواء نسبته إلى جميع
[1] راجع حكمة الاشراق ص 143 - 144 ، وشرح حكمة الاشراق ص 342 - 356 و 251 - 254 ، والمطارحات ص 455 - 459 . [2] راجع الأسفار ج 2 ص 46 - 81 ، و ج 7 ص 169 - 171 و ص 258 - 281 . [3] هذا الدليل هو الذي أقامه الشيخ الإشراقي في المطارحات ص 455 - 459 . وتعرض له أيضا صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 53 - 55 . [4] هذا الدليل أيضا أقامه الشيخ الإشراقي في حكمة الاشراق ص 143 - 144 ، وراجع شرح حكمة الاشراق ص 349 - 351 .