وللباحثين في علمه ( تعالى ) اختلاف كثير حتى أنكره بعضهم [1] من أصله ، وهو محجوج بما قام على ذلك من البرهان . وللمثبتين مذاهب شتى : أحدها : أن له ( تعالى ) علما بذاته دون معلولاتها ، لأن الذات المتعالية أزلية وكل معلول حادث [2] . وفيه : أن العلم بالمعلول في الأزل لا يستوجب كونه موجودا في الأزل بوجوده الخاص به ، على أنه مبني على انحصار العلم الحضوري في علم الشئ بنفسه وأن ما دون ذلك حصولي تابع للمعلوم ، وهو ممنوع بما تقدم [3] إثباته من أن للعلة المجردة علما حضوريا بمعلولها المجرد وقد قام البرهان على أن له ( تعالى ) علما حضوريا بمعلولاته قبل الايجاد في مرتبة الذات وعلما حضوريا بها بعد الايجاد في مرتبة المعلولات . الثاني : ما ينسب إلى أفلاطون [4] ، أن علمه ( تعالى ) التفصيلي هو العقول المجردة والمثل الإلهية التي تجتمع فيها كمالات الأنواع تفصيلا . وفيه : أن ذلك من العلم بعد الايجاد ، وهو في مرتبة وجوداتها الممكنة ، وانحصار علمه ( تعالى ) التفصيلي بالأشياء فيها يستلزم خلو الذات المتعالية في ذاتها عن الكمال العلمي ، وهو وجود صرف لا يشذ عنه كمال من الكمالات الوجودية .
[1] وهو بعض الأقدمين من الفلاسفة على ما في الأسفار ج 6 ص 180 ، وشرح المنظومة ص 164 ، والمباحث المشرقية ج 2 ص 469 - 475 . وهم طائفتان : ( الأولى ) من نفى علمه تعالى . و ( الثانية ) من نفى علمه بغيره . قال المحقق الطوسي في شرح رسالة مسألة العلم ص 27 : ( وهذان المذهبان مذكوران في كتب المذاهب والآراء منقولان عنهم - أي القدماء - ) . [2] هذا القول منسوب إلى بعض الأقدمين من الفلاسفة كما مر ، فراجع الأسفار ج 6 ص 179 - 180 ، وشرح المنظومة ص 164 . [3] راجع الفصل الأول والفصل الحادي عشر من المرحلة الحادية عشرة . [4] نسب إليه في الملل والنحل ج 2 ص 82 - 89 ، والأسفار ج 6 ص 181 ، وشرح المنظومة ص 165 ، والجمع بين رأيي الحكيمين ص 105 .