وتارة إلى المادة وتارة إلى غيرهما ، لكنها بحسب النظر الدقيق راجعة إلى الفاعل دائما [1] ، فإن من يحسن إلى مسكين ليسر المسكين بذلك يتألم من مشاهدة ما يراه عليه من رثاثة الحال فهو يريد بإحسانه إزاحة الألم عن نفسه ، وكذلك من يسير إلى مكان ليستريح فيه يريد بالحقيقة إراحة نفسه من إدراك ما يجده ببدنه من التعب . وبالجملة ، الفعل دائما مسانخ لفاعله ملائم له مرضي عنده ، وكذا ما يترتب عليه من الغاية فهو خير للفاعل كمال له . وأما ما قيل [2] : ( إن العالي لا يستكمل بالسافل ولا يريده ، لكونه علة ، والعلة أقوى وجودا وأعلى منزلة من معلولها ) . فمندفع - كما قيل [3] - بأن الفاعل إنما يريده بما أنه أثر من آثاره ، فالإرادة بالحقيقة متعلقة بنفس الفاعل بالذات وبغاية الفعل المترتبة عليه بتبعه . فالفاعل حينما يتصور الغاية الكمالية يشاهد نفسه بما لها من الاقتضاء والسببية للغاية ، فالجائع الذي يريد الأكل ليشبع به - مثلا - يشاهد نفسه بما لها من الاقتضاء لهذا الفعل المترتب عليه الغاية ، أي يشاهد نفسه ذات شبع بحسب الاقتضاء ، فيريد أن يصير كذلك بحسب الوجود الفعلي الخارجي . فإن كان للفاعل نوع تعلق بالمادة كان مستكملا بفعلية الغاية التي هي ذاته بما أنه فاعل . وأما الغاية الخارجة من ذاته المترتبة وجودا على الفعل فهو مستكمل بها بالتبع . وإن كان مجردا عن المادة ذاتا وفعلا فهو كامل في نفسه غير مستكمل بغايته التي هي ذاته التامة الفعلية التي هي في الحقيقة ذاته التامة . فظهر مما تقدم : أولا : أن غاية الفاعل في فعله إنما هي ذاته الفاعلة بما أنها فاعلة ، وأما غاية
[1] كذا قال صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 270 - 279 . [2] والقائل الشيخ الرئيس في الإشارات ، راجع شرح الإشارات ج 3 ص 149 . [3] والقائل صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 264 .