نام کتاب : نقد النصوص في شرح نقش الفصوص نویسنده : عبد الرحمن بن احمد جامي جلد : 1 صفحه : 243
كالأرواح التي انبعثت عنها . و ذهلت عن نزول درجتها عن درجة تلك الأرواح في هذا الأمر و عن عدم استغنائها عن التعلَّق و التدبير . فلمّا ألفت الأبدان و انصبغت بأحكام الأمزجة - حتّى أثّرت فيها ، كما أثّرت هي في المزاج - و تعشّقت بها ، و اشتدّ تقيّدها بصحبة البدن ، أراها الحقّ عجزها و قصورها عن البلوغ إلى درجة من أوجدها الحقّ بواسطته . و رأت فقرها و تعشّقها ، فرجعت متوجّهة إلى الحقّ بصفة التضرّع و الافتقار الذاتي من الوجه الذي لا واسطة فيه بينها و بين الحق . فأجاب الحق نداءها و أمدّها من لدنه بقوّة و نور استشرفت به على ما شاء الحق أن يطلعها عليه من حضراته القدسية و لطائف أسراره العلية . فانعكس تعشّقها إلى ذلك الجناب الأقدس ، و اتّصلت به . و حصل لها بذلك الاتّصال الرافع لأحكام الوسائط ما أوجب انتظامها في سلك أولى الأيدى و الأبصار . و انفتح لها باب كان مسدودا . فصار تدبيرها مطلقا ، غير مقيّد بصورة بعينها دون صورة بل حصل لها من القوّة و الكمال ما تمكَّنت به من تدبير صور شتّى في الوقت الواحد دون تعشّق و تقيّد و ربّما أكسبتها العناية عزّا أنفت به أن تقف في مراتب الأرواح العالية و تكون كهي ، لما رأت من حسن ما تجلَّى لها من وراء باب الوجه الخاصّ الذي فتح لها بينها و بين موجدها و ما استفادته من ربّها من تلك الجهة . و سرى من بركة ما حصّلته إلى صورتها - التي كانت مقيّدة بتدبيرها - قوى و أنوار سارية متعدّية في الموجودات علوّا و سفلا . و صارت حافظة بأحدية جمعها من حيث تلك الصورة التي كانت مقيّدة بتدبيرها صورة الخلاف الواقع و الثابت في الموجودات صورة و معنى ، روحا و مثالا . « و إذا فهمت هذا ، فاعلم أنّ يونس عليه السلام من حيث أحواله المذكورة لنا في الكتاب العزيز مثال ارتباط الروح الإنساني بالبدن و الحوت مثال الروح الحيواني الخصيص به ، و السرّ في كونه حوتا هو لضعف صفة الحياة فيه ، فانّ الحوت ليست له نفس سائلة - كذلك حيوانية الإنسان ذات حيوة ضعيفة ، و لهذا يقبل الموت بخلاف روحه المفارق ، فانّ حياته تامّة ثابتة أبدية - و اليمّ مثال عالم العناصر ، و وجه شبهه باليمّ هو أنّ تراكيب الأمزجة المتكوّنة من العناصر غير متناهية .
243
نام کتاب : نقد النصوص في شرح نقش الفصوص نویسنده : عبد الرحمن بن احمد جامي جلد : 1 صفحه : 243