كل موطن على مقتضى حقائقه ونسبه ، وفي كل دور على مقدار حيطة حكمه في أهل ذلك الدور وبحسبه . فاعرف هذا وتذكر ما سلف يبدو لك من غرائب الاسرار ونفائس العلوم ما لا يمنحه الا كل مجتبى . ولما ذكر في هذا الباب تفاصيل عزيزة واسرار خفية لا يجدها المنجم في فنه ولا الحكيم والفيلسوف بفكره وبحثه ، ولا المتكلم في الاخبارات الإلهية والنبوية بتأويله وحدسه ، فاعرف ما قرع سمعك وسمع فهمك واحمد الله . ومن هذا الذوق يعرف أيضا سر الأيام الإلهية التي هي من الف سنة ومن خمسين الف سنة ، وان ذلك راجع إلى حيطة حكم الاسم أو المرتبة التي ينضاف إليه اليوم والحركة المعينة له - أي لليوم - فافهم . ثم اعلم أن لهذه الأصول تتمات يتعذر افشائها ، لما تتضمن من المفاسد - وإن كان ما ذكر مما يجب صونه أيضا - لكن نخشى على المطلع على تلك التتمات بعد معرفة أصولها وقبل رسوخ قدمه في مقامات التحقيق من [1] أمور مضرة ، كفتور الهمة عن التوجه والتعبد ، بل ربما انقطع عن ذلك بالكلية ، وربما سقط تعظيم المراتب الوجودية من باطنه جملة ، فلم ينفعل لحكم شئ منها [2] ونظر إلى ما في الوجود بعين الأحدية لا بعين تمييز المراتب وحكمها ، فلم يحكم بتفاضل ولا أولوية ، لعلمه بالوجه الخاص و [3] عدم رؤيته التفاوت الموجب للتفاضل و [4] الفطور القاضي بالتمييز ، و [5] زال عنه في حق الأشياء احكام الحدود والرسوم والأجناس والفصول ، لعلمه انها نسب اعتبارية ، لا أمور ذاتية حقيقية ، مثال ذلك بلسان العلم الرسمي [6] : اللون جنس للسواد وهو بعينه نوع للكيف ، وهو أيضا فصل للجسم الكثيف ، وهو أيضا خاصة لمطلق الجسم ، وهو بالنسبة إلى الانسان عرض عام .
[1] - متعلق بقوله : نخشى - ش [2] - أي من التوجه والتعبد وتعظيم المراتب - ش [3] - عطف على علمه - ش [4] - عطف على التفاوت - ش [5] - عطف على لم يحكم - ش [6] - أي المنطقي - ش