نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 699
والعقل المعيشي يكون قبل النطق بموجب الحكمة الإلهيّة والعقل المؤيّد بنور الكشف والتجلَّي ، والقوّة العاقلة في النبوّة وإدراك الحقائق أكبر من القوّة الناطقة بالأصالة ، فإنّ النطق لا يكون إلَّا بالعقل ، ولكنّها أفصح منها لسانا ، لأنّها المترجمة عن القوّة العاقلة . وأمّا هامان فنظير القوّة الشهوية للروح الطبيعي ، لها الوزارة عن الروح الحيواني الذي له الاستيلاء والغلبة ، فإنّ الغلب للغضب والروح الطبيعي بناء هذه البنية الهيكلية ، كما أشار إليه بقوله - تعالى - حكاية عن فرعون : * ( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ) * [1] أي أنشئ لي مزاجا خاصّا وهميا عاليا يعطي الاطَّلاع على ما يخبر عنه وينبئ الروح العقلي . ثم لمّا تبيّنت لقوى النفسانية - المنصبغة بحكم الهوى والشهوة والغضب ، المظهرة للباطل والكمالات الوهمية في صورة الحق التي صوّرها السحرة - أنّ الروح العقلي الإلهي قد تأيّد وأنّه هو الحق الظاهر بالحق الباطن فآمنوا وأقلعوا عن عادة الهوى ، واتّبعوا الهدى واجتنبوا في اتّباع القوى الحيوانية والطبيعية الردى ، فاستسلموا لأمر الله ، وانقادوا لحكمه ، فقطعت أيدي تصرّفاتهم وأرجل مساعيهم إلى طلباتهم التي كانت مطلقة بأمر فرعون الهوى ، فكان الله إذ ذاك عن أيديهم وأرجلهم وألسنتهم ، فنطقوا بالحقّ : إنّا آمنّا بربّنا ربّ الروح الإلهي المؤيّد بالتجلَّي ، ليغفر لنا خطايانا التي تخطَّينا إليها في طاعة الهوى وما أكرهتنا عليه من السحر ، وهو ستر الحق في صورة الباطل ، والظهور بالباطل في صورة الحق ، والله خير وأبقى ، فافهم . قال - رضي الله عنه - : « فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حقّ في صورة باطل ، لنيل مراتب لا تنال إلَّا بذلك الفعل ، فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها [2] ، لأنّ الأعيان الثابتة اقتضتها ، فلا تظهر في الوجود إلَّا بصورة ما كان عليه في الثبوت ، إذ لا تبديل لكلمات الله ، وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها التقدّم [3] من حيث ثبوتها ، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها [ وظهورها ] » .
[1] غافر المؤمن ( 40 ) الآية 36 . [2] من قوله : « فقطع » إلى قوله : « تعطيلها » مرّ في المتن السابق أيضا . [3] كذا . والصحيح - كما في بعض نسخ الفصوص - : القدم .
699
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 699