نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 679
يشير - رضي الله عنه - إلى [ أنّ ] حركة موسى وفراره ، وإن كانت - على ما علَّل ذلك عند فرعون بقوله : * ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ) * [1] - بسبب الخوف ، وكذلك حركة كل ذي خوف وفرار [ ه ] [2] من أمر مخوف وإن كان بالنظر الظاهر معلَّلا بسبب قريب وهو الخوف ، ولكنّ التحقيق يقتضي أن لا تكون الحركة عن خوف ، فإنّ الخوف يقتضي السكون والجمود ، ولا يقتضي الحركة ، وإنّما السبب الموجب للحركة فيمن يفرّ عن مكروه هو حبّ الحياة والنجاة ، فلمّا رأى أمرا يوجب فوت محبوبه - وهو النجاة والحياة - خاف ذلك فتحرّك وفرّ طلبا للحياة ، فموجب الحركة في الحقيقة لم يكن الخوف ، بل الحبّ للنجاة أو الحياة أو غير ذلك ممّا يحبّ وجوده ويخاف عدمه . ثمّ بيّن - رضي الله عنه - أنّ الحركة في الأصل حبّية ، وذكر في ذلك أسرارا عالية في الجناب الإلهي والعالم ، وأنّها وإن سبقت الإشارة إليها فيما سلف ، ولكن نبحث هاهنا على ما يبقى [3] من الأسرار ، وهو أنّ قوله - تعالى - على لسان أكمل مظاهره الإنسانية : « أحببت أن أعرف » ليس محتده هذه المحبّة ، وأصل هذا التجلَّي من حيث الذات ، الغنيّة عن العالمين ، وذلك لأنّ الكمال الذاتي حاصل للذات بالذات ، ومتعلَّق المحبّة أبدا أمر معدوم غير حاصل المعرفة به ، فما يسمّى « غيره » و « سواه » فلم يكن حاصلا ، لعدم المعارف إذ ذاك ، فأحبّ حصوله ووجوده ، فخلق الخلق وتعرّف إليهم ، فعرفوه ، فكمل مرتبة العلم والوجود ، فوضح وصحّ أنّ الكناية بتاء « أحببت » لا تعود إلى ذات الذات ، تعالت وتباركت وجلَّت عن مثل ذلك ، وإنّما تاء الكناية تعود إلى أحدية النسب الذاتية - وهي حقائق الأسماء - وإلى الشؤون الغيبية العينية ، فإنّ هذه النسب هي التي لم تكن موجودة لأعيانها ولا ظاهرة في مظاهرها ، فإنّ الألوهية والربوبية والخالقية والرازقية وسائر النسب في حقائقها متوقّفة الوجود والتحقّق على المألوه والمربوب والمخلوق والمرزوق وجودا وتقديرا ، وحيث لم يكن عالم يكون مألوها ، مربوبا ،