نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 657
وغرض ، فقد يقع منه الإباءة في بعض التصريف ، فإن كان فيه قوّة إظهار ذلك [1] ، ظهر منه الجموح لما يريده منه الإنسان ، وإن لم يكن له هذه القوّة أو صادف غرض الحيوان ، انقاد مذلَّلا لما يريده منه كما ينقاد مثله لأمر فيما رفعه الله به من أجل المال - الذي يرجوه منه - المعبّر عنه في بعض الأحوال بالأجرة في قوله : * ( وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) * [2] فما يسخّر له من هو مثله إلَّا من حيوانيته لا من إنسانيته ، فإنّ المثلين ضدّان ، فيسخّره الأرفع في المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانيته ، ويتسخّر له ذلك الآخر - إمّا خوفا أو طمعا - من حيوانيته لا من إنسانيته ، فما يسخّر له من هو مثله ، ألا ترى ما بين البهائم من التحريش ، لأنّها أمثال ؟ فالمثلان ضدّان ، ولذلك قال : * ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) * [3] فما هو معه في درجته ، فوقع التسخير من أجل الدرجات . والتسخير على قسمين : تسخير مراد للمسخّر - اسم فاعل - قاهر في تسخيره لهذا الشخص المسخّر كتسخير السيّد لعبده ، وإن كان مثله في الإنسانية ، وكتسخير السلطان لرعاياه ، وإن كانوا أمثالا له ، فسخّرهم بالدرجة . والقسم الآخر تسخير بالحال ، كتسخير الرعايا للملك القائم بأمرهم في الذبّ عنهم وحمايتهم وقتال من عاداهم وحفظه أموالهم وأنفسهم عليهم ، وهذا كلَّه تسخير بالحال من الرعايا ، يسخّرون بذلك مليكهم ، ويسمّى على الحقيقة تسخير المرتبة ، فالمرتبة حكمت عليه بذلك ، فمن الملوك من سعى لنفسه ، ومنهم من عرف الأمر ، فعلم أنّه بالمرتبة في تسخير رعاياه ، فعلم قدرهم وحقّهم ، فآجره الله على ذلك أجرة العلماء بالأمر على ما هو عليه ، وأجر مثل هذا يكون على الله ، من كون الله في شؤون عباده ، فالعالم كلَّه يسخّر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه اسم مسخّر ، قال الله تعالى : * ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ) * » [4] .