نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 658
قال العبد : هذه المباحث ظاهرة ، والتقريب أنّ تسخير موسى لقومه كان بمرتبة النبوّة ، ولهذا كان يعلم حقّهم ويرعاه ويراعيهم رعاية الراعي لغنمه ، فمهما عاث فيه ذئب غريب قابله وقاتله ، كالسامري بالإحراق وتحريق العجل ، أو شدّد على خليفته مخافة المخالفة كما فعل بأخيه هارون ، وكلّ هذا تسخير لهم بما عنده من الله في عين ما هم مسخّرون له بالحال على أن يسعى عند الله في مصالحهم الدينية والدنياوية عرفوا ذلك أو لم يعرفوا ، إذ لا يعرفه إلَّا العارفون وما تعقّله إلَّا العالمون . قال - رضي الله عنه - : « فكان عدم [1] إرداع قوّة هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل ، كما سلَّط موسى عليه ، حكمة من الله ، ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك ، فما ذهبت إلَّا بعد ما تلبّست عند عابدها بالألوهة ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلَّا وعبد إمّا عبادة تألَّه أو عبادة تسخير ، ولا بدّ من ذلك لمن عقل » . يشير - رضي الله عنه - إلى أنّه لمّا كان الحق المعبود الموجود الذي * ( أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه ُ ) * [2] قد ظهر بنور الوجود الحق في كل نوع من هذه الأنواع وفي كل شخص فلا بدّ أن يعبد في تلك الصورة - إمّا عبادة عبد لإلهه أو عبادة تسخير ، كما عبدت عبدة الأصنام الحجر والشجر والشمس والقمر - لكون الإلهية ذاتية للوجود الحق . والعبادة التسخيرية ليس لها اسم العبادة ، وهي مخصوصة بالتألَّه عرفا ، والعبادة والعبودة متحقّقة في الوجهين بالاعتبارين ، فإنّك عبد من ظهر عليك سلطانه . قال - رضي الله عنه - : « وما عبد شيء من العالم إلَّا بعد التلبّس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه ، ولذلك يسمّى الحق لنا ب * ( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ) * [3] ولم يقل : رفيع الدرجة ، فكثّر الدرجات في عين واحدة ، فإنّه قضى أن لا يعبد إلَّا إيّاه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كلّ درجة مجلى إلهيّا عبد فيها ، وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه
[1] في بعض النسخ : عدم قوّة . [2] يوسف ( 12 ) الآية 40 . [3] غافر ( 40 ) الآية 15 .
658
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 658