نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 44
قلنا : فعلى هذا لا تكون الإحاطة للنسبة العلمية من حيث هي كذلك ، بل تكون الإحاطة للذات ، ومرادنا قصور النسبة العلمية في حقيقتها - من كونها نسبة من النسب الإلهية - عن الإحاطة بكنه الذات المطلقة . وعلى كل تقدير فإنّ الإحاطة بالذات المطلقة محال ، فلا تعلم أصلا ، فليس لها اسم علم لفظي ، فافهم . وممّا احتجّ به مثبتو الاشتقاق : أنّ العلم يقوم مقام الإشارة إلى ذات المسمّى وحقيقته ، وحقيقته - تعالى - لا يشار إليها ، لما في الإشارة من التعيين والتمييز والتحديد فوضع الاسم عليه محال . وأجيب عن هذا : بأنّه وإن امتنعت الإشارة الحسيّة إليه تعالى لامتناع انحصاره في جهة حسّيّة ، ولكن لا تمتنع الإشارة العقلية إليه ، كما قال تعالى : * ( قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ) * [1] وقال : * ( فَذلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الْحَقُّ ) * [2] وقال : * ( ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ ) * [3] و « هو » و « ذلك » و « ذلكم » إشارات عقلية ، فلا يمتنع وضع الاسم العلم عليه بهذا الاعتبار . والجواب : أنّا لا نسلَّم عدم امتناع الإشارة العقلية إلى الذات المطلقة ، وإلَّا لكانت متعيّنة غير مطلقة ، وهي غير متعيّنة من جميع الوجوه ، فلا تتعيّن الإشارة إليها ، وإن قيل بالإشارة المطلقة العقلية ، فليست إلَّا إلى إطلاق الذات لا إليها ، وجميع ما وردت من الإشارات المذكورة - سواء كانت من الحق أو الخلق - إشارات [ إلى ] نسبه الذاتية وحقائق أسمائه ومسمّياته وحيثيات صفاته ، كالأحدية والربوبيّة والهويّة ، وليست إلى حقيقة ذاته تعالى فإنّ حقيقة ذاته - تعالى - لا يشار إليها ، ولا تعلم ، ولا يحاط بها ، ولا تتعيّن تعيّنا تنحصر فيه لكون كلّ متعيّن متميّزا عن غيره وكلّ متميز عن شيء أو أشياء ، فإنّه محدود مخصوص مقيد بكونه متميزا عن غيره ، وخارجا عنه ، وعدم كونه عين غيره ، وما لا يتعيّن ولا يعلم ولا يجهل ولا يشار إليه على سبيل الحصر ، فلا يوضع اسم علم له ، سواء كان الواضع خلقا أو فرض حقّا فإنّ الحقيقة تأباه .