نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 294
مقتضاها وأعطينا من الله في حق كل مرتبة ما أتاها ، ومن جمع بين المعرفتين منّا ، ولم يحصر الأمر وأطلق ، فهو الإمام العلام ، حسنة الليالي والأيّام . ثمّ إنّ الواصف للحق بالوصفين إمّا أن يصف بهما إجمالا وهو الممكن في حق العارفين ، ولكن منهم من يصفه بهما امتثالا واتّباعا لما جاء به الشرع المطهّر ، وذلك ، المؤمن بكل ما ورد من الله على مراد الله ولم يحصر في أمر دون أمر ، إنّما هو عبد الله لا شائبة فيه للفضول ، ولا شانئة التحكَّم بمقتضى العقول ، ومن وصفه منّا بهما معا - محقّقا بأنّ كل ذلك مقتضى الحقيقة وأنّ الهويّة تقبل الأضداد والأمثال لكونها محيطة بالكلّ ، وشاملة للجميع ، حاصرة غير محصورة - كان كامل المعرفة تامّ الكشف ، عامّ الشهود ، أستاد الطريقة ، كأبي سعيد الخرّاز ، حين سئل : بم عرفت الله ؟ قال : بجمعه بين الأضداد : * ( أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) * [1] وصف هويته الأحدية الجمعية بالأوليّة والآخرية والباطنية والظاهرية مع ما بين هذه النسب من التضادّ والتنافي ، بقوله تعالى : * ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ) * [2] فجعل هويّته الأحدية موضوعة ، وحمل عليها هذه النسب بلا تقييد ، فهو الوصف بهما إجمالا . وأمّا وصفه - تعالى - بالكلّ على التفصيل فليس إلَّا لله إلى ذلك سبيل ، لامتناع تفصيل ما لا يتناهى دفعة واحدة بطريق التوصيل ، ولكنّ الحق يفصّل ويوصل أبد الدهر من غير تناه ولا انقطاع . ولو فرضنا الإحاطة بكلّ ما حصل في الوجود من الحدود ، فوصفه بكل ذلك على الإجمال أو على التفصيل تعريف وتحديد أيضا بالمتناهي المحدود ، لكون الحاصل في الوجود ، إذ ذاك وعنده من الشهود - مجملا أو مفصّلا - محصورا بانتهائه إلى ما لم يدخل بعد في الوجود ممّا لم يوجد في مرتبة من المراتب ، فالحصول على المعرفة والتعريف ، والوصول إلى التحديد والتوصيف على التفصيل ممتنع مستحيل ، وإن عرف بكل ما دخل في الوجود - ما لم يدخل - كان مجملا أيضا ، وإن عرف بالتفصيل في الأوّل مفصّلا وفي الثاني الباقي مجملا ، كان مركَّبا من المجمل