نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 217
الذي أعطى الله إبراهيم - أن يحبّه ، وليس ذلك بجنب هذه العطايا كثيرا ، فقال الحق لهؤلاء الملائكة : جرّبوه ، فتجسّدوا له في صور البشر ، وذكروا الله له بالتنزيه ، فقالوا : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، فلمّا سمع إبراهيم عليه السّلام هذه الكلمات ، أخذه الوجد والهيمان في الله تعالى ، واستدعى منهم أن يعيدوا عليه الكلمات ، فطلبوا من ماله أجراء [1] على إعادة الكلمات ، فأعطى ثلث ماله ، فذكروا الذكر ، فاستعاده منهم كرّة أخرى ، وأعطاهم الثلث الثاني ، فسبّحوا له الله بالمذكور من الذكر ، فطاب وقت إبراهيم وازداد هيمانه فاستعاد الكلمات منهم ، وأعطاهم الثلث الباقي ، فأعادوا له ، فلمّا تمّ امتحانهم له ، ذكروا أنّهم ملائكة الله ، فلهذا نسبت هذه الحكمة إلى إبراهيم عليه السّلام . قال - رضي الله عنه - : [ 6 ] « ثم حكمة حقّيّة في كلمة إسحاقية » . اعلم : أنّ عالم المثال المقيّد - وهو عالم الخيال - إذا شوهدت فيه صورة وتجسّد له المعنى أو الروح في صورة مثالية أو خيالية ، ثم إذا رجع إلى الحسّ ، وشاهد حقّية ذلك على الوجه المشهود ، فقد جعله الله حقّا ، أي أظهر حقّية ما رأى في الوجود العيني حسّا ، فإنّ الخيال لا حقيقة له ولا ثبات ، كما قال يوسف عليه السّلام : * ( هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) * [2] . وكان هذا حال إبراهيم عليه السّلام في مبدئه ، فكان لا يرى رؤيا إلَّا وجد مصداقها في الحسّ ، ورأي حقيقتها عينا ، فكان عليه السّلام لا يؤوّل رؤياه ، وهو نوع من الكشف الصوري . وسرّ ذلك أنّ الوارد إذا نزل من الخارج على القلب ، ثم انعكس من القلب إلى الدماغ ، فصوّرته القوّة المصوّرة في المتخيّلة وجسدّته ، خرج على صورة الواقع لأنّ عكس العكس مطابق للصورة الأصلية ، فيشاهد صاحب الكشف المذكور شاهد الوارد مطابقا للصورة الأصلية على ما رآه في عالم المثال . وقد شاهدت هذا من أبي - رحمه الله - في صغري كثيرا فكان - رحمه الله - يرى رؤيا ويحكيها لي ، ثم يقع في الحسّ على ما رأى ، فيتعجّب ويسرّ بذلك . وكان مشاهد
[1] حال من فاعل « طلبوا » . [2] يوسف ( 12 ) الآية 100 .
217
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 217