فإنه أعلمها بذلك إصابتها في قولها : ( كأنه هو ) ) . أي ، نبهها على أن حال عرشها كحال الصرح في كون كل منهما مماثلا مشابها للآخر : أما العرش ، فلأنه انعدم ، و ما أوجده الموجد مماثل لما انعدم . وأما الصرح ، فلأنه من غاية لطفه وصفائه صار شبيها بالماء الصافي مماثلا له ، وهو غيره . فنبهها بالفعل على أنها صدقت في قولها : ( كأنه هو ) . فإنه ليس عينه بل مثله . وهذا غاية الإنصاف من سليمان ، فإنه صوبها في قولها : ( كأنه هو ) . وهذا التنبيه الفعلي كالتنبيه القولي الذي في سؤاله بقوله : ( أهكذا عرشك ) . ولم يقل : أ هذا عرشك . ( فقالت عند ذلك : ( رب إني ظلمت نفسي ) ) أي ، بالكفر والشرك إلى الآن . ( ( وأسلمت مع سليمان ) أي ، إسلام سليمان لله رب العالمين ) أي ، والآن أسلمت مع سليمان ، أي ، كما أسلم سليمان لله رب العالمين . و ( مع ) في هذا الموضع ك ( مع ) في قوله هو : ( لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه ) . وقوله : ( وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه ) . ولا شك أن زمان إيمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان إيمان الرسول . وكذلك إسلام بلقيس ما كان عند إسلام سليمان . فالمراد : كما أنه آمن بالله ، آمنت بالله ، وكما أنه أسلم ، أسلمت لله . ( فما انقادت لسليمان ، وإنما انقادت لرب العالمين ، وسليمان من العالمين . فما تقيدت في انقيادها ، كما لا يتقيد الرسل في اعتقادها في الله . ) أي ، انقيادها كان لله حيث قالت : ( أسلمت لرب العالمين ) . وما قالت : أسلمت لسليمان . ولا تقيدت في انقيادها لله برب دون رب ، بل بالرب المطلق ، وهو رب العالمين ، رب سليمان وغيره من أهل العالم ، كما لا يتقيد الرسل برب دون رب . وهو المراد بقوله : ( في اعتقادها في الله ) . وذلك لأنهم أولياء كاملون عارفون بمراتب الحق و ظهوراته في المظاهر وبربوبيته بجميع الأسماء . وتقيدهم بالشرائع المقتضية للربوبية ببعض الأسماء ، إنما هو بأمر الحق وتقييده . فهم مقيدون بما يقتضى ظواهر الشرائع بحسب ظواهرهم وكونهم أنبياء مرسلين . وأما بحسب بواطنهم وكونهم أولياء ، فلا تقيد لهم ، لشهودهم الحق في جميع المقامات وربوبيته في كل المواطن .