الوجهين صحيح . ويدل على صحتهما ما قال في أمة محمد ، صلى الله عليه وسلم : ( وإنما كان للمصيب أجران ) . لكونه أصاب في الحكم وبذل جهده فيه ، فصار في مقابلة الإصابة أجر ، وفي مقابلة بذل الجهد أجر . لذلك جعل للمخطئ أجر واحد ، لأنه بذل جهده فاستحق أجره ( مع كونه حكما وعلما ) أي ، مع كون حكم المخطئ فيما اجتهد فيه علما بحسب الشرع ، وحكما واجب العمل به إلى حين ظهور خطائه وهو زمان المهدى ، عليه السلام . لذلك ترتفع المذاهب فيه و يصير مذهبا واحدا . ( فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان في الحكم ورتبة داود ، عليهما السلام . فما أفضلها من أمة . ) أما رتبة سليمان ، فبالإصابة في الحكم ، كما أصاب فيه . وأما رتبة داود ، فبالاجتهاد ، [23] وإن وقع خلاف ما في علم الله [24]
[23] - قوله : ( وأما رتبة داود فبالاجتهاد ) . ليس علم الأنبياء بالأحكام من قبيل الاجتهاد ، فإنهم ، عليهم السلام ، يستكشفون الحقائق من الاطلاع على ما في الحق ، أو اللوح المحفوظ ، حسب مراتبهم . وليس ( النسخ ) من قبيل كشف خطأ النبي السابق ، بل الحكم في زمن النبي السابق كان بالنسبة إلى الأمة ما حكم به ذلك النبي ، و ( النسخ ) عبارة عن استكشاف حد الحكم السابق ، لا رفع الحكم المطلق . إلا أن كشف الشيخ يقتضى أن يكون داود ، بل الأنبياء المرسلون ، مخطئين في أحكامهم ، وقوم نوح وسائر الكفار ، كفرعون ، عرفاء شامخين قد ( الامام الخميني مد ظله ) [24] - نعوذ بالله من سوء الأدب قد قال الشارح في رسالة التوحيد والنبوة والولاية : ( ولا بد أن يرتفع الاختلافات الموجودة بين المجتهدين ، ويجعل المهدى ، عليه السلام ، الحكم المختلف في كل مسألة حكما واحدا ، كما كان الأمر في زمان رسول الله ، صلى الله عليه و سلم . وهو يأخذ من الله ، لشهوده الأمر على ما هي عليه ، لارتفاع الحجاب عن عيني جسمه وقلبه ، كما كان في زمان رسول الله ( ص ) . واعلم ، أن كشف الشيخ انجر أمره إلى أن جعل الكمل من الأنبياء مخطئين في الأحكام الشرعية قد وجعل ( النسخ ) من باب الخطاء للمرسلين قد وجوز انعدام الصور والمواد وإيجاد الأجسام المادية من دون مادة سابقة قد يجب أن يعلم أنه لا يجوز في طور التحقيق الإعدام والإيجاد ، بمعنى الإماتة والإحياء ، لأن الرجوع إلى الدنيا وتعلق النفس بالبدن عبارة عن التمثل بالبدن الحسى ، وأن تعلق الأرواح بالأجساد إنما يكون في الآخرة ، وهو حقيقة المعاد . وأما التعلق بالبدن في الدنيا ، تناسخ باطل . ويمكن إرجاع الإعدام والإيجاد بالفناء الحاصل للنفوس في الآخرة بالأسماء التي يظهر في المظاهر الأخروية ، ثم إحيائها ، أي إرجاعها ، إلى الصحو ، لأن يصل كل إنسان إلى ثمرات أعماله ونياته . وليس الأمر من قبيل إعادة المعدوم . وعند جمع من أصحابنا ، قدس سرهم ، ( الرجعة ) عبارة عن تعلق أرواح الكمل ، من الأئمة والأولياء ، بأبدانهم الدنيوية . وهذا القول باطل . وعلة بطلانه كثيرة . منها مفسدة التناسخ . وعند أبناء الحقيقة ، من الإمامية ، ( الرجعة ) عبارة عن تمثل أرواحهم المكرمة ، عليهم السلام ، بالأبدان الحسية ، وأن تعلق أرواحهم بالأبدان أمر اختياري ، وأن أرواحهم الطاهرة خلقت قبل الأبدان بألفي عام . وإلى ما قررناه يحمل الأحاديث الواردة الظاهرة في قدم الأرواح . وأن لسان مقامهم ومرتبتهم : ( كنت وليا وآدم بين الماء والطين ) . بل لا ماء ولا طين . وبعض الأكابر ، ومنهم أستاذنا الأقدم ، ميرزا محمد رضا إصفهاني ، على أن الرجعة إنما تصح بتمثل الأرواح بالأبدان المثالية . وأنت تعلم ، إن تأملت في الروايات الواردة في ( الرجعة ) ، تعلم بعضها متشابهة وبعضها ضعيفة ، ومنها على أسلوب غريب . ولكن يجب أن تعلم أن الاعتقاد بالرجعة مما لا ساد عنه في مذهب البرهان .