( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) . وقد تقدم بأنه كلمة محققة المعنى ، أي حتى نعلم ما تعطيه ذاته المعينة لنا من أحوالها ويعلم هو ما تعطيه تلك الذات له من حيث تعينها الموجب للفرق بيننا وبينه ، استفهم عن كلمته عما نسب إليها من الألوهية ، هل هو حق ؟ أي ، فهل ذلك المنسوب إليك ثابت في نفس الأمر ، أم لا . وهل وقع منك الأمر به ، أم لا . ( فقال له : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) . ) ولما كان الاستفهام بقوله : ( أ أنت قلت ) مفيدا معنى قوله : ( حتى نعلم ) ، قال أولا : ( قام لها الحق في مقام ( حتى نعلم ) ) ( فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ) أي ، يجيبه من مقام التفرقة لا مقام الوحدة ، فإن فيها نوعا من دعوى الألوهية . والأنبياء والأولياء الكمل لا يزالون مختارون مقام العبودية لما فيه من مراعا ت الأدب مع الله . ( لأنه لما تجلى له في هذا المقام وفي هذه الصورة ، اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع . ) أي ، لأنه تعالى يتجلى في مقام التفرقة ، فاستفهم على صورة الإنكار بقوله : ( أ أنت قلت ؟ ) بضمير الخطاب مرتين ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يجب في مقام التفرقة التي هي في عين الجمع . فإن الكمل لا تحجبهم التفرقة عن مقام الجمع ، ولا الجمع عن التفرقة . ( فقال وقدم التنزيه : ( سبحانك ) . فحدد ب ( الكاف ) التي يقتضى المواجهة والخطاب . ) أي ، نزه الحق أولا عن مقام هو فيه ، وهو العبودية المنعوتة بالإمكان و نقائصه اللازمة له ، وميز بين مقام الألوهية والعبودية - بكاف الخطاب - والمواجهة ، كما خاطبه الحق بضمير الخطاب ، وذلك التنزيه والتميز هو التحديد . كما مر في ( الفص النوحي ) . لذلك قال : ( فحدد بالكاف ) . ( ( ما يكون لي ) من حيث أنا لنفسي دونك ( أن أقول ما ليس له بحق ) . أي ، ما يقتضيه هويتي ولا ذاتي . ) قد مر مرارا أن لكل موجود جهتين : جهة الربوبية وجهة العبودية ، والثاني متحقق بالأول . فقوله : ( ما يكون لي ) أي ، لنفس من جهة العبودية والأنانية مجردة عن جهة الربوبية والهوية الإلهية أن أقول ما ليس لنفسي