هذه الصورة هذين الوجهين . ) أي ، ولو لا أن في أصل الخلقة العيسوية - وهو المراد ب ( الأمر ) - جهتا التوهم والتحقق ، ما قبلت صورة عيسى لهذين الوجهين . ( بل لها هذان الوجهان ، لأن النشأة العيسوية تعطى ذلك . ) ظاهر مما مر . وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن ( يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، وأن أحدهم إذا لطم في خده ، وضع الخد الآخر لمن يلطمه ، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه . هذا له من جهة أمه ، إذ المرأة لها السفل ، فلها التواضع ، لأنها تحت الرجل حكما وحسا . ) إنما قال : ( شرع لأمته ) على صيغة الماضي ، والمشرع لها رسول الله ، عليه السلام ، لأنه حين نزوله من السماء لا بد أن يقرر أمر الجزية ، كما شرع عليهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فهو بمعنى المضارع . ومثله قوله تعالى : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) . أي ، ينادى في الآخرة . وذلك لأن ما هو ثابت في علم الله لا بد أن يكون ، فهو بمنزلة ما كان وتحقق . وفيه سر آخر يظهر لمن عرف أحوال الكمل ودرجاتهم . والمراد أنه لما كان عيسى ، عليه السلام ، من ماء مريم ، وهي الجهة المتحققة في أصل خلقته ، خرج في غاية التواضع إلى أن يشرع لأمته ، أي ، تقرر حكم الشريعة المحمدية لأمته عند نزوله أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون متواضعون جاعلون لأنفسهم حقيرا منقادا ، [20] كما قرر لأمته أنه إذا لطم أحدهم في خده ، يدير الخد الآخر ليلطمه ، و
[20] - قوله : ( وفيه سر آخر ) . فإن عيسى ، عليه السلام ، لما بلغ مدارج الكمالات المعنوية حتى اتصل قوسه بقوس ولاية رسول الله ( ص ) ، يكون تشريع رسول الله ( ص ) الذي هو ظهور الولاية ورقيقتها تشريعه ، عليه السلام ، فصح أن يقال شرع عيسى ، عليه السلام ، الجزية . وأيضا ، لما كان لرسول الله ( ص ) مقام جمعي إحاطي أحدي ، تكون شريعته كل الشرائع ، فيكون تشريعه تشريع عيسى ( ع ) ، فلذا يكون الإيمان به إيمانا بكل الأنبياء روحا . وهذا أحد الاحتمالات في الآية الشريفة الآمرة بالإيمان بالأنبياء . وجعله من أركان الإيمان بالأنبياء ليس مجرد العلم بوجودهم والتصديق بكونهم صاحب الشريعة ، بل الظاهر منه تحمل شريعتهم . كما لا يخفى . ( الامام الخميني مد ظله )