كان عالما عارفا ، لعرف الله في كل الصور والعقائد . ف ( كل ) مبتدأ ، ( فهو ظان ) خبره . ويجوز أن يكون معطوفا على قوله : ( في كل صورة ) . أي عرف الله في كل صورة وكل عقيدة . فيفتح ( القاف ) . ( فلذلك قال تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ) . أي ، لا أظهر له إلا في صورة معتقده : فإن شاء أطلق . ) وعبد الإله المطلق الظاهر في كل المظاهر والمجالي . ( و إن شاء قيد ) بصورة معينة يعطيها استعدادها . ( فإله المعتقدات تأخذه الحدود . ) لأنه مقيد معين . ( وهو الإله الذي وسعه قلب عبده ، فإن الإله المطلق لا يسعه شئ ، [27] لأنه عين الأشياء وعين نفسه ، والشئ لا يقال فيه يسع نفسه ، ولا لا يسعها . فافهم ذلك . والله يقول الحق وهو يهدى السبيل . ) أي ، القلب لما كان معينا مقيدا مكتنفا بعوارض تعينه وحدود تشخصه ، لا يدرك إلا مثله ، ولا يسعه إلا ما هو معين محدود مثله . والإله المطلق جل عن الحدود وعز عن الإحاطة ، فلا يسعه شئ . فكيف يسعه وهو عين الأشياء ، ولا شئ غيره ؟ ولا يوصف الشئ بأنه يسع لنفسه ، ولا بأنه لا يسعها . فافهم ترشد . لا يقال قوله : ( فإن الإله المطلق لا يسعه شئ ) . يناقض ما ذكره من قبل من أن قلب العارف يسع الحق . لأن ذلك بحسب التجلي ، والتجلي أبدا لا يكون إلا على قدر استعداد المتجلى له ، والمتجلى له عين مقيد ، فلا يمكن أن يتجلى له الحق المطلق من حيث إطلاقه ، إذ هذا النوع من التجلي لا يبقى للمتجلى له وجودا و تعينا ، للمنافاة بينهما . ولا يمكن أن يتجلى لشئ بجميع أسمائه وصفاته دفعة - وهذا هو المراد - و إن كان قلب الكامل العارف قابلا لجميع التجليات الأسمائية ، لكن لا يتجلى له الحق دفعة بالجميع ، ولا له قابلية ذلك .
[27] - أي كون القلب يسع الحق إنما يكون على قدر استعداد المتجلى له . ( ج )