( كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يبرز بنفسه للمطر إذا نزل ، ويكشف رأسه له ) أي ، للمطر ( حتى يصيب منه ، ويقول : إنه حديث عهد بربه . فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها . فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه قد فكان مثل الرسول الذي ينزل إليه بالوحي . ) أي ، كان المطر بالنسبة إليه مثل الملك الذي أرسل إليه بالوحي . فإن الكمل يجدون في جميع ما يدركونه بالحواس الظاهرة معاني نزلت إليهم من الحضرة الإلهية في صور المحسوسات وخصوصا المطر ، فإنه صورة العلم النازل من الحضرة والبروز إليه . هو إشارة إلى تلقى الروح الكامل إلى ما يفيض عليه . و ( كشف الرأس ) إشارة إلى رفعه الموانع عن ظهور الحقائق والعلوم ، وإلى أن محل ظهور المعاني الكلية والجزئية الدماغ ، كما أن محل حصول الوجدانيات هو القلب . ( فدعاه بالحال بذاته ) أي ، دعا المطر الرسول بلسان الحال وذاته . ( فبرز إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربه . ) أي ، فبرز رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى المطر ليصيب منه ما أتى المطر به من حضرة ربه من المعاني والأسرار ، كالحياة والعلم والرزق وغير ذلك . وعدى ( أتى ) بنفسه ، كما قال تعالى : ( هل أتيك حديث الغاشية ) . وب ( الباء ) كما يقال : أتيت زيدا بفلان . و ( من ربه ) متعلق ب ( أتى ) . كما يقال : أتيتك بزيد من البصرة . وليس بيانا ل ( ما ) . ( فلولا ، ما حصلت له منه الفائدة الإلهية بما أصاب منه ما برز بنفسه إليه . ) ( الفائدة ) عطف بيان ( ما ) . أي ، فلولا الفائدة الإلهية التي حصلت له من المطر بواسطة ما أصاب إليه من المطر ، ما برز الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، إليه بنفسه . ( فهذه رسالة ماء ، جعل الله تعالى منه كل شئ حي . فافهم . ) لما كان الماء أصل الأشياء ومظهرا للحياة وحاملا للأسرار الإلهية التي هي فيه بالقوة ، جعله رسولا ونبه على كونه أصل كل شئ حي . فافهم .