ومنها كثرة أمته . كما جاء في حديث ( العرض ) في القيامة الكبرى [2] ومنها قوله ، عليه السلام : ( لا تفضلوني على موسى : فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطشا بقائمة العرش . فلا أدرى أجوزي بصعقة الطور ، أو كان ممن استثنى الله تعالى ) . وبكمالات أخرى يظهر لمن يتأمل في قصته في القرآن . ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله . لأنه قتل على أنه موسى ، وما ثمة جهل ، فلا بد أن يعود حياته على موسى ، أعني حياة المقتول من أجله . وهي حياة ظاهرة على الفطرة ، ولم يتدنسها الأغراض النفسية ، بل هي على فطرة ( بلى ) ، فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو ، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له ، كان في موسى ، عليه السلام . ) اعلم ، أنه قد مر في المقدمات أن الوجود حقيقة واحدة لا تعدد فيها ولا تكثر ، وتتعدد بحسب التجليات والتعينات ، فتتكثر وتصير أرواحا وأجساما و معاني روحانية وأعراضا جسمانية . والأرواح منها كلية ومنها جزئية . فأرواح الأنبياء ، عليهم السلام ، أرواح كلية يشتمل كل روح منها على أرواح من يدخل في حكمه ويصير من أمته ، كما أن الأسماء الجزئية داخلة في الأسماء الكلية على ما بينا في فصل الأسماء . وإليه أشار بقوله تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا واحدة لله حنيفا ) . وإذا كان الأمر كذلك ، يجوز أن يتحد بعض الأرواح مع بعض بحيث لا يكون بينهما امتياز ، كاتحاد قطرات الأمطار وأنوار الكواكب مع نور الشمس في النهار .
[2] - قال تبارك اسم ربنا : ( وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ ) . وقد أخبر نبينا ، صلى الله عليه وآله ، في حديث أرض القيامة حال عرض الأمم عليه أنه لم ير أمة نبي من الأنبياء أكثر من أمة موسى . ولكن الواقع يدل على أن أمة موسى أقل من كل أمة ، وأنه أقل أمة من عيسى ومحمد ، عليهما السلام . ومن المعلوم أن أمة عيسى ملأ العالم بحيث لا تعدو لا تحصى ، وبعده أن نبينا أكثر أمة بعد أمة عيسى ، عليه السلام .