ويمكن أن يحمل على معنى آخر . وهو أن البعيد ، الذي هو الشيطان ، قريب منى لحكمة في . أي ، لمعنى حاصل في باطني ، وهو أن الشيطان أيضا مظهر من المظاهر الحقانية ، والمظهر قريب من الظاهر فيه . فالبعيد الذي هو الشيطان في نظري قريب من الحق الذي هو ظاهر في صورتي . ولما قال البعيد منى قريب - كأن القائل يقول : كيف يكون البعيد قريبا منه ؟ - فقال : ( وقد علمت أن القرب والبعد أمران إضافيان ، [24] فهما نسبتان ، لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامهما في القريب والبعيد ) ألا ترى أن الحق تعالى إذا تجلى لعين من الأعيان ، يقرب منه كل بعيد ، فيشاهده شهودا عيانيا ، كما يقرب البعيد بالمسافة من عين الناظر إليه . وإذا خفى عن عين ، يبعد منه كل قريب لغلبة الظلمة واستيلائها عليها ، مع أن هويته تعالى في هوية كل عين . فالقرب والبعد أمران إضافيان بالنسبة إلى الأعيان واستعداداتها . ( واعلم ، أن سر الله في أيوب الذي جعله الله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاكيا ، تقرؤه هذه الأمة المحمدية لتعلم ما فيه ، فتلحق بصاحبه تشريفا لها . ) أي ، السر في قصة أيوب ، عليه السلام ، الذي جعل الله عينه مع أحوالها ، عبرة لنا وكتابا مسطورا مقروا بلسان الحال ، ما كتب فيها يقرؤه عرفاء هذه الأمة المحمدية ، لتعلم ما فيه من الأسرار . وهو إظهار الماء المطهر للظاهر والباطن من أرض نفوسهم ، وطلب الفناء في الله وتحمل المشاق والصبر على المجاهدات ، فتلحق بمقامه ، فيكون هذا الإخبار تشريفا لها . ( فأثنى الله عليه ، أعني على أيوب عليه السلام ، بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه . فعلمنا أن العبد إذا دعا الله في كشف الضر عنه ، لا يقدح في صبره . ) بل عدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند أهل الطريقة ، لأنه كالمقاومة مع الله ودعوى
[24] - قوله : ( أمران إضافيان ) أي ، يمكن أن يكون شئ قريبا من وجه ، بعيدا من وجه آخرا ، و قريبا من شخص ، بعيدا عن شخص آخر . أو قريبا في نظر ، بعيدا في نظر آخر . ( الإمام الخميني مد ظله )