تعالى : ( وإليه يرجع الأمر كله ) . أي ، مآل الأمور ، حسنها وقبيحها ، نعيمها و جحيمها ، كلها يرجع إليه تعالى حقيقة وكشفا ، كما قال تعالى : ( قل كل من عند الله ) . فإذا كان الأمر كذلك ، فاعبده بما أمرك به وما استطعت عليه ، وتوكل على الله حال كونه محجوبا مستورا عن نظرك . أو حال كونك في الحجاب والستر عن الله . والمعنى واحد . ( فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، لأنه على صورة الرحمن . ) [20] أي ، فإذا كان هويته تعالى هوية العالم ، ويرجع جميع ما في العالم من الأمور إليه تعالى ، فليس في الإمكان أبدع وأحسن من نظام هذا العالم ، لأنه مخلوق على صورة الرحمن . وإنما جعل العالم مخلوقا على صورة الرحمن ، لأنه تفصيل ما تجمعه الحقيقة الإنسانية المخلوقة على صورة الرحمن ( أوجده الله ، أي ، ظهر وجوده تعالى بظهور العالم ، كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية . ) أي ، أوجد الحق العالم . ثم ، لما كان وجود العالم مستدعيا لوجود الحق - لأنه محدث ولا بد له من محدث أحدثه وهو الحق سبحانه - فسر ( أوجده الله ) تعالى بقوله : ( أي ظهر ) . وذلك لأن الحق غيب العالم وباطنه ، فظهر بالعالم ، كما أن الحقيقة الإنسانية غيب هذه الصورة الطبيعية ، فظهرت بها . ( فنحن ) أي ، أعيان العالم مع جميع الصور الروحانية والجسمانية ،
[20] - هذا بعينه ما ذهب إليه أرباب الحكمة المتعالية ، أنار الله برهانهم ، من أن النظام الكياني ظل للعلم الحق بنظام الأحسن ، وأن علمه تعالى بالنظام الأتم عين ذاته ، وذاته أفضل علم بأفضل معلوم ، وأن صريح ذاته منشأ ظهور العالم ، والعالم مقتضى علمه بذاته من جهة أن ذاته مبدأ للعلم في مقام الفعل ، والفعل ظهوره الذي حصل من قوله : ( كن فيكون ) ، والعلم الذاتي من حيث إنه عين العلم بالأشياء بنظامه الربوبي ، وأن العلم الذاتي تقتضي ظهور الأشياء وصدورها من ذاته ، فيجب أن يكون نظام الوجود أفضل و أتم بحيث لا يتصور الأتم منها ، وإلا يلزم جهة فقدان في الحق ، وأن ذاتها غير وافية لظهور النظام الكياني الذي لا يتصور أكمل منها . ( ج )