السمحة السهلة ، وأما صاحب الفرقان فأمره صعب ودعوته أصعب وأشق ، لأنه إن دعا إلى التنزيه والتوحيد والجمع بدون التفصيل أجابوه بمفهوم قوله - * ( ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) * - فلا فرق بين الهادي والمضل ولا بين العاصي والمطيع ، بل لا عاصى في هذا الشهود كما أجاب قوم نوح دعوته ، وإن دعا إلى التشبيه والتفصيل أجابوه بمثل قول قوم موسى - * ( أَرِنَا الله جَهْرَةً ) * - وقولهم - * ( اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ) * - لأن الداعي في شق والمدعو في شق ، فكل يرجع جانبه ويخالف عن سمته إلى ما يقابله ، بخلاف من جمع بين الجمع والتفصيل والتشبيه والتنزيه ( فلو أن نوحا عليه السلام يأتى بمثل هذه الآية لفظا لأجابوه ، فإنه شبه ونزه في آية واحدة بل في نصف آية ) أي كانت دعوة نوح عليه السلام إلى التنزيه المحض ، لكون قومه محتجبين بعبادة الأصنام لتأدية دعوة الأنبياء السالفة إلى نفى الكثرة الأسمائية المؤدية إلى ذلك ، فنفروا عن ذلك نفور الضد عن الضد ، فلو جمع بين التنزيه والتشبيه كما ذكر في الآية لأجابوه لوجود المناسبة ( ونوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب ، ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وجئثهم ، وما جمع في الدعوة مثل - * ( لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ ) * - فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا ) ظاهر مما سلف لأنه تقرير له ( ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، لذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ، وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها ، فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك ) لأن الكشف إنما يكون لمن غلبت روحانيته ونورانيته بغلبة نور الوحدة والقوة العقلية على ظلمة الكثرة والقوة الحسية وهم أهل الهيئات الظلمانية المحتاجون إلى سترها بالنور القدسي ، فلذلك فهموا من الستر بمقتضى حالهم الستر الصوري ، فأجابوا دعوته في صورة الرد والإنكار بالستر لغلبة حكم الحجاب عليهم وكونهم أهل علتهم وكونهم أهل المعصية المقبلين على عمارة عالم الملك والاحتجاب ، كما قال تعالى « إنى جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم » فهم مدبرون بالطبع عما دعاهم إليه مقبلون إلى ضد جهته ، فلا تكون إجابتهم إلا في صورة التضاد إجابة فعلية ( ففي - * ( لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ ) * - إثبات المثل ونفيه ، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلَّم إنه أوتى جوامع الكلم ، فما دعا محمد عليه الصلاة والسلام قومه ليلا ونهارا بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل ) أي في هذه الآية جمع بين التشبيه والتنزيه فهو كالنتيجة لما سبق التقرير له