وبهذا الجمع أخبر عن نفسه أنه أوتى جوامع الكلم أي الأسماء الإلهية ومقتضياتها كلها ، فما دعا إلى الظاهر وأحكامه فقط وإلى الباطن وأحكامه ، بل جمع بين الباطن والظاهر بأحدية الجمع باطنا في الظاهر وظاهرا في الباطن ، أي الكل من حيث أنه واحد متجمل فيهما . قوله ( فقال نوح عليه السلام في حكمته لقومه - * ( يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) * - ) معناه أن نوحا عليه السلام لما رأى إجابتهم الفعلية بحكم مقامهم وحالهم ، حيث فهموا من الاستغفار طلب الستر ومن الغفران الستر وحملوا عليه قوله مستهزءين مستخفين لمنافاة حالهم حاله ، نزل عن مقامه ليمكر بهم فيهديهم من حيث لا يشعرون ، فتكلم بما ظاهره مناسب ما اختاروه من الظواهر ، وباطنه يناسب معقولهم الذي يتبعونه ويتلقونه بأفكارهم وعقولهم ، المشوبة بالوهم ، المحجوبة عن الفهم ، المشغولة عن نور القدس بظلمة عالم الرجس ، فقال - * ( يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) * - أي يستر الظلمات التي هي الصفات النفسانية والهيئات الفاسقة الجرمانية بنور الروح ، فيرسل من سماء العقل المجرد مياه العلوم ( وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري ) المؤدى إلى الحقائق والمطالب النظرية * ( ( ويُمْدِدْكُمْ ) عند إدراككم المعارف العقلية والمعاني الكلية التنزيهية ، ويجردكم عن الغشاوى الطبيعية * ( ( بِأَمْوالٍ ) - أي بما يميل بكم إليه ) من الواردات القدسية والكشوف الروحية والتجليات الشهودية الجاذبة إياكم إليه ( فإذا مال بكم إليه ) أي جذبكم البارق القدسي والتجلي الشهودى إليه ( رأيتم صورتكم فيه ) كما مر ( فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف ) لأنه أكبر من أن يتجلى في صورة واحدة ( ومن عرف منكم أنه رأى نفسه ) أي رأى الحق في صورة عينه ( فهو العارف فلهذا انقسم الناس ) أي أهل الوجدان الذين هم الناس بالحقيقة ( إلى عالم باللَّه وغير عالم به ) كما هو الأمر عليه ( وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكرى ) أي ولما اشتد احتجابهم بالظواهر وتقيدوا بها كانت عقولهم مشوبة بالأوهام لم تتجاوز إلى المعارف المجردة الكلية في التنزيه عن مقتضيات أفكارهم العاديات والقياسيات العرفية المقيدة بالقيود الوهمية والتخييلية ، واحتجبت بالتعينات والتقيدات العقلية المطابقة لمدركاتها الوهمية والتخييلية والحسية في التقيد ( والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر ) فأنكروا لما دعاهم إليه أشد إنكار واتبعوا معقولهم العادي ، فشكا نوح إلى ربه بقوله - * ( رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا من لَمْ يَزِدْه مالُه ووَلَدُه ) * * ( إِلَّا خَساراً ) * - أي اتبعوا من ينزه الله التنزيه التقييدى الفكرى الموجب تشبيهه تعالى بالأرواح في التقييد ، فلم يزده ماله أي