الاسم الهادي بذم هو عين الثناء والمدح بلسان التوحيد ، لعلمه بأن إجابتهم الداعي إلى المقام الأعلى ومقام الجمال والتقدم لا تكون إلا هذه الصنعة ، وكلما كان المدعو أصلب في دينه وأشد إباء الداعي إلى ضد مقامه كان أشد طاعة وقبولا لأمر ربه وحكمه حتى إن إباء إبليس عن السجود وعصيانه واستكباره بحسب ظاهر الأمر عين سجوده وطاعته وخدمته وتواضعه لربه باعتبار الإرادة ، فإن العزيز الجليل أقامه في حجاب العزة والجلال ذليلا محجوبا حتى يكون إبليس ، فلم يكن له بد من موافقة مراده لذلك أقسم بعزته ، فإن الإغواء مقتضى العزة والاحتجاب بحجب الجلال ( وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان ) أي التفصيل وترك شق من الوجود إلى شق آخر ، أي من صورة الكثرة إلى الوحدة ، ومن اسم المذل إلى المعز ، ومن المفضل إلى الهادي ( والأمر قرآن ) أي الأمر الإلهي ( لا فرقان ) أي والأمر الإلهي جامع شامل للمراتب كلها ، فللذئب دين وللغنم ، وكل يدين بدينه مطيع لربه مسبح له بحمده . قوله ( ومن أقيم في القرآن ) أي في الجمع ( لا يصغى إلى الفرقان ) أي التفصيل ( وإن كان فيه ) أي وإن كان الفرقان في القرآن ( فإن القرآن يتضمن الفرقان ، والفرقان لا يتضمن القرآن ) أي فإن تفاصيل المراتب والأسماء المقتضية لها موجودة في الجمع والجمع لا يوجد في التفاصيل ، أو وإن كان الذي أقيم في القرآن ولا يصغى في الفرقان في عين الفرقان فإن التفاصيل موجودة في الجمع ، وأهل كل مرتبة في مراتب التفصيل أهل تفرقة فرقانية في عين الجمع كقوم نوح فإنهم أهل الحجاب وعباد الكثرات ، لا يجيبون إلى التوحيد وتنزيه التجريد ، ومن كان مرتبته الجمع كنوح عليه السلام يطلع على مراتبهم ويعذر الكل ، ويعلم أن إنكارهم عين الإقرار وفرارهم عين الإجابة ، كما قال على كرم الله وجهه : يشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذى الجحود ( ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلَّم ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ) أي ولأن القرآن يتضمن الفرقان إنما اختص به محمد عليه الصلاة والسلام وأمته لأنه الخاتم ، فكان جامعا لمقتضيات جميع الأسماء بجمع التنزيه والتشبيه في أمر واحد ، كما قال ( فليس كمثله شيء ، فجمع الأمور في أمر واحد ) وأثبت الفرق في الجمع والجمع في الفرق ، وحكم بأن الواحد كثير باعتبار والكثير واحد بالحقيقة ، ولهذا بعث عليه الصلاة والسلام بالحنيفية