( ألا ترى علم الله بالأشياء ما أكمله ، كيف تمم في حق من عبد هواه واتخذه إلها ، فقال - * ( وأَضَلَّه الله عَلى عِلْمٍ ) * - والضلالة الحيرة ، وذلك أنه لما رأى هذا العابد ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره به من عبادة من عبده من الأشخاص ، حتى أن عبادته لله تعالى كانت عن هوى أيضا ، لأنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى وهو الإرادة بمحبة ما عبد الله ولا آثره على غيره ) أي كيف تمم العلم في حق من عبد هواه حيث نكره تنكير تعظيم أي على علم كامل لا يبلغ كنهه ، وذلك أن أصل الهوى هو الحب اللازم لشهوده تعالى ذاته بذاته ، فإنه تعالى أقوى الأشياء إدراكا وأتم الأشياء كمالا ولا يدرك 7 واقف للمدرك من ذاته بذاته ، فذاته أحب الأشياء إليه بل الحب عين الحب ، وحقيقته ليس إلا حبه لذاته ، وهو العشق الحقيقي وما عداه رشحة من ذلك البحر ولمعة من ذلك النور ، فلا ميل في شيء إلى شيء إلا وهو جزئى من جزئيات ذلك الحب ، فلا محب إلا وهو يحب نفسه في محبوبه أي محبوب كان لأن المحبة لازمة للوحدة الحقيقية ، فبسريان الوحدة في الوجود تسرى المحبة فيه لكنها تختلف بحسب كثرة التعينات المتوسطة بينها وبين الأول وقلتها ، فكلما كانت الوسائط أكثر كان أحكام الوجوب فيها أخفى وأحكام الإمكان أظهر وبالعكس ، وينبنى على ذلك المذمة والمحمدة بحسب تنوع أنواعها ، وتختلف أسماؤها في الانتهاء كما بيناها في رسالة المحبة ، فالحاصل أن كل هوى كان أقرب إلى الحب الكلى ، والأقرب بقلة الوسائط والتعينات كان أحمد وأشرف وأقوى في نفسه وأظهر ، وصاحبه أعلى مقاما وأرفع رتبة ، وأكثر تجردا وأشرف ذاتا وأقرب إلى الحق تعالى ، وكلما كان الحب أبعد من الحب الكلى المطلق بكثرة الوسائط والتعينات كان أخس وأذم وأضعف في نفسه وأخفى ، وصاحبه أدنى رتبة ، وأكثر تقيدا واحتجابا وأخس وجودا وأبعد من الله تعالى ، والحقيقة من حيث هي هي واحدة ، فمن علم حقيقة الهوى كان على علم عظيم ، وقد حيره الله حيث وجده في الحقيقة محمودا غاية الحمد ، ومع التغشى بغواشى التعينات مذموما غاية الذم ، فتحير بين كونه حقا وبين كونه باطلا ، والحق مطلع على أنه لا يعبد في الجهة العليا والسفلى بهواه إلا إياه إذ ليس في الوجود شيء إلا وهو عين الحق ، ألا ترى إلى قوله - * ( وهُوَ الله في السَّماواتِ وفي الأَرْضِ ) * - وقوله - * ( وهُوَ الَّذِي في السَّماءِ إِله وفي الأَرْضِ إِله ) * - وقوله عليه الصلاة والسلام « لو دلى أحدكم بحبل لهبط على الله » فكل ما عبده عابد في أحد الجهتين لا يعبده إلا بهواه إذ هو الذي يأمره بعبادة ما يعبده فلا يطيع في الحقيقة إلا هواه حتى إن الحق المطلق لم يعبد إلا بالهوى ، إلا أنه يسمى باسم