فكلما عاث فيهم ذئب كالسامرى قاتله وقابله ورماه بالإمساس وتحريق العجل ، وشدد على خليفته مخافة المخالفة ، فكما سخرهم في مراد الله بما عنده من الله من النبوة والسلطنة ، سخروه بالحال على أن يسعى عند الله في مصالحهم الدينية والدنيوية ، عرفوا ذلك أو لم يعرفوا وما يعرفه إلا العارفون ( فكان عدم قوة ادراع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة ، وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية ، ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد ، إما عبادة تأله وإما عبادة تسخير ، فلا بد ذلك لمن عقل ) يعنى أن الحق المعبود المطلق الذي أمر أن لا يعبد إلا إياه لما ظهر بنور الوجود في كل نوع من الأنواع بل في كل شخص ، لزم أن يعبد في تلك الصورة إما عبادة عبد لإلهه ، وإما عبادة تسخير ، كما عبدت عبدة الأصنام الحجر والشجر والشمس والقمر ، لكون الإلهية ذاتية للوجود الحق ، وعبادة التسخير ليس لها اسم العبادة عرفا لأنها مخصوصة بمن تأله لكن العبودية متحققة في القسمين ، فإنك عبد لمن ظهر عليك سلطانه ( وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد ، والظهور بالدرجة في قلبه ، ولذلك يسمى الحق لنا برفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة فكثر الدرجات في عين واحدة ، فإنه قضى ألا نعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها ، وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى ، كما قال - * ( أَفَرَأَيْتَ من اتَّخَذَ إِلهَه هَواه ) * - فهو أعظم معبود فإنه لا يعبد شيء إلا به ، ولا يعبد هو إلا بذاته ، وفيه أقول : < شعر > وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى ) < / شعر > يعنى أن كلمتي العبوديتين : عبودية التأله وعبودية التسخير لا تكون من العابد لأى معبود كان إلا لهواه ، فما عبد إلا الهوى فهو الصنم والجبت والطاغوت الحقيقي لمن يرى غير الحق في الوجود . وأما عند العارف فهو أعظم مجلى عبد فيه ، وهو باطن أبدا لا يظهر بالعين إلا في الأصنام ، وكليات مراتبه بعدد الأنواع المعبودة كما ذكر بعضها في الفص النوحى . وأما البيت فمعناه : أنه أقسم بحق العشق الأحدى الذي هو حب الحق ذاته أنه سبب الهوى الجزئى الظاهري في كل متعين بتنزلاته في صور التعينات ، ولو لا الهوى الحب الباطن المعين في القلب ما عبد الهوى الظاهر في النفس لأنه عينه تنزل عن التعين القلبي إلى التعين النفسي مع أحدية عينه في الكل .