على وجه يبلغ درجة يحصل منه الفعل بسهولة ، كالكرم فإنه لا يكون خلقا للإنسان إلا بعد أن يتكرر منه فعل العطاء بغير بدل حتى يحصل منه الفعل بسهولة من غير تكلف . أقول : هكذا عرفوا الخلقيات والخلق ، فجعلوا السبب في حصول الشهرة فيها هو الخلق بهذا المعنى ، باعتباره داعيا للعقل العملي إلى إدراك أن هذا مما ينبغي فعله أو مما ينبغي تركه . ولكنا إذا وقفنا نجد أن الأخلاق الفاضلة غير عامة عند الجمهور ، بل القليل منهم من يتحلى بها ، مع أنه لا ينكر أن الخلقيات مشهورة يحكم بها حتى من لم يرزق الخلق الفاضل ، فإن الجبان يرى حسن الشجاعة ويمدح صاحبها ويتمناها لنفسه إذا رجع إلى نفسه وأصغى إليها ، ولكنه يجبن في موضع الحاجة إلى الشجاعة ، وكذلك البخيل والمتكبر والكاذب . ولو كان الخلق بذلك المعنى هو السبب للحكم فيها لحكم الجبان بحسن الجبن وقبح الشجاعة ، والبخيل بقبح الكرم وحسن الإمساك ، والكذاب بقبح الصدق وحسن الكذب . . . وهكذا . والصحيح في هذا الباب أن يقال : إن الله تعالى خلق في قلب الإنسان حسا وجعله حجة عليه يدرك به محاسن الأفعال ومقابحها ، وذلك الحس هو " الضمير " بمصطلح علم الأخلاق الحديث ، وقد يسمى ب " القلب " أو " العقل العملي " أو " العقل المستقيم " أو " الحس السليم " عند قدماء الأخلاق . وتشير إليه كتب الأخلاق عندهم . فهذا الحس في القلب أو الضمير هو صوت الله المدوي [1] في دخيلة نفوسنا يخاطبها به ويحاسبها عليه . ونحن نجده كيف يؤنب مرتكب الرذيلة ويقر عين فاعل الفضيلة . وهو موجود في قلب كل إنسان . وجميع الضمائر تتحد في الجواب عند استجوابها عن الأفعال ، فهي تشترك جميعا في التمييز بين الفضيلة والرذيلة وإن اختلفت في قوة هذا التمييز وضعفه ،